تحذير من المحتوى وإخلاء مسؤولية: المحتوى التالي يتناول تجارب شخصية وحساسة. ندعوكم لقراءته بما ترونه مناسبًا. يمكنكم الاطلاع على إشعارنا التحريري الكامل هنا.
سرطان الثدي قبل أبريل 2023
قبل اندلاع الحرب في أبريل 2023، كانت معدلات الإصابة بسرطان الثدي بين النساء السودانيات قد وصلت إلى مستويات مقلقة، في وقت كانت فيه المنظومة الصحية تعاني من نقص شديد في الإمكانات والأجهزة والكوادر المؤهلة لتقديم العلاج. ووفق بيانات المعهد الدولي لأبحاث السرطان (IARC)، بلغ إجمالي الإصابات الجديدة بالسرطان في السودان عام 2022 نحو 28,586 حالة، منها 17,260 حالة لدى الإناث. ويُعد سرطان الثدي الأكثر شيوعاً بين النساء السودانيات، إذ سُجّل في العام نفسه 6,631 إصابة جديدة بما نسبته %38.4 من إجمالي سرطانات النساء. كما ارتفع عدد الوفيات الناتجة عنه ليبلغ 3,243 وفاة في عام 2022، أي ما يعادل %17.5 من مجموع الوفيات بالسرطان في السودان.
تشير تقديرات المسح الوطني إلى أن امرأة واحدة من بين كل ثماني نساء سودانيات مُعرّضة للإصابة بسرطان الثدي، وهو رقم يعكس حجم التحدي في ظل ضعف برامج التوعية وقلة مراكز الفحص المتخصصة. وغالباً ما كانت الحالات تُشخّص في مراحل متأخرة نتيجة غياب الفحص الدوري وغياب ثقافة الكشف المبكر، مما يزيد العبء على المريضات وأسرهن.

معاً ضد سرطان الثدي - المصدر دكتورة ريان علي
إلى جانب ذلك، كان السودان يعاني من نقص حاد في الأجهزة التشخيصية والعلاجية، خصوصاً خارج العاصمة. ففي عام 2023 لم يكن في البلاد سوى ثلاث وحدات لتصوير الثدي بالأشعة (ماموغرام) متركزة في الخرطوم، بينما اعتمدت معظم الولايات على أجهزة الموجات فوق الصوتية التي تقل دقتها. أما على مستوى العلاج، فقد كان السودان يمتلك وحدتي علاج إشعاعي حكوميتين فقط إحداهما بمستشفى الخرطوم للأورام، والأخرى بالمركز القومي للسرطان قرب ود مدني، إضافةً إلى مركزين إشعاعيين خاصين.
تضاعفت أسعار جرعات العلاج الكيميائي بصورة كبيرة، إذ ارتفع سعر الجرعة من نحو 50 ألف جنيه سوداني قبل الحرب إلى أكثر من 300 ألف جنيه، ولم تعد معظم أنواع الأدوية متوفرة في الصيدليات، ما اضطرّ كثيرين إلى اللجوء إلى السوق السوداء لتأمين أدويتهم وسط مخاطر الغش وارتفاع الأسعار.
هذه التحديات السابقة تكشف أن معركة السودانيات مع سرطان الثدي كانت صعبة حتى قبل الحرب، وأن واقعهن الصحي كان هشاً للغاية، مما جعل اندلاع الحرب لاحقاً سبباً في مضاعفة المعاناة وتعقيد فرص التشخيص والعلاج والوقاية. ومع ذلك، لم تكن هذه الظروف القاسية كافية لإخماد عزيمتهن؛ فقد واجهت النساء السودانيات المرض بشجاعة نادرة، وخلقن من الألم طاقة مقاومة. كنّ يمددن أيديهن لبعضهن البعض، يقدن حملات التوعية في الأحياء والقرى، ويحوّلن الخوف إلى وعي والألم إلى أمل. ورغم محدودية الإمكانات، أثبتن أن الإرادة أقوى من العجز، وأن الأمل لا يُقهر مهما اشتدت الأزمات.
أثر الحرب على خدمات علاج السرطان
مع اندلاع الحرب السودانية في 15 أبريل 2023، تعرّض القطاع الصحي لأضرار شاملة، وكان لمرضى السرطان ونقابات المرأة نصيبٌ كبير من المعاناة. فقد أفاد تحليل نشرته مجلة The Lancet بالاستناد إلى بيانات منظمة الصحة العالمية أن الحرب عطّلت 70% من مستشفيات المناطق المتأثرة وأسفرت عن نحو 12,000 وفاة وتركت 11 مليون مواطن بحاجة للرعاية الصحية. ويعني هذا أن آلاف المرضى بدؤوا يبحثون عن العلاج في ظروفٍ قاسية. وأكد تقرير طبي حديث أن البنية التحتية الصحية السودانية، بما في ذلك مستشفى الخرطوم للأورام والأقاليم الشاملة لعلاج السرطان، أصبحت شبه معطّلة، مما حرم الآلاف من المرضى من العلاجات الضرورية.
وفي الخرطوم تحديداً توقفت تماماً جميع مرافق علاج السرطان، بما في ذلك مستشفى الخرطوم للأورام والمركز غير الربحي مركز رعاية الثدي بالخرطوم الوحيد من نوعه في السودان، اللذان كانا يعالجان معاً أكثر من 10,000 مريض جديد سنوياً. وقد أغلق المركزان أبوابهما إثر الاقتتال، وهو ما يعني فقدان خدمات تصوير الثدي والعلاج الكيماوي والإشعاعي إلى أجل غير مسمى.

مستشفى الخرطوم لعلاج الأورام قسم الطب النووي - المصدر لمياء متوكل
أدى ذلك إلى نزوح جماعي للمرضى باتجاه مراكز أقل تضرراً في الأقاليم الأخرى. فمثلاً انتقل عدد كبير من مصابي السرطان من الخرطوم إلى المعهد القومي للسرطان ود مدني كان يُصمم لاستيعاب 50 مراجع يوميّاً، فازدادت عليه الأعداد بشكل كبير حتى تجاوزت قدراته. فبين أبريل ويونيو 2023، سجّل المعهد 2,217 مراجعاً جديداً مقابل 1,399 في نفس الفترة من العام السابق. وقد أنهك هذا الضغط المخزون العلاجي؛ إذ استُهلكت تقريبا جميع أدوية العلاج الكيميائي، وبقي التاموكسيفين للمصابات بسرطان الثدي هو الدواء الهرموني الوحيد المتاح. وزاد على ذلك عطل إحدى وحدات الإشعاع على الأرجح بسبب الاستخدام المكثف، الأمر الذي خفض عدد أجهزة الراديوثيرابي العاملة.
تعرضت المرافق الصحية لهجمات عنيفة، ما زاد الطين بلّة. فبحسب منظمة الصحّة العالمية، تمّ التحقق من 88 هجوماً على مرافق صحية منذ اندلاع القتال، نتج عنها 55 قتيلاً و104 إصابات بين المرضى والعاملين. وفي يوليو 2024 صرّحت منظمة الصحة العالمية بمزيد من الهجمات المتواصلة على المنشآت والأطباء. وصورة مروعة لهذه الأضرار تجلّت في مستشفى الذرة بالخرطوم ، الذي اعتلى بعددٍ من الغرف المدمّرة كما تظهر صوره الفوتوغرافية الرسمية. وباختصار، تكاد شبكة العلاج الطبي تنهار حيث ازداد انعدام الخدمات الصحية الأساسية، باتت 70% من المستشفيات في المناطق القتالية خارج الخدمة.

حجم الدمار الذي لحق بمستشفى الذرة الخرطوم - المصدر لمياء متوكل
وهكذا أدى التدمير والنهب المستمر إلى معاناة مضاعفة. فالعاملون في مجال الأورام نزحوا أو قُتلوا، والمخازن الدوائية اتخمت بالنهب. وصِفت منظمة الصحة العالمية أزمة الرعاية الصحية بأنها انهيار كارثي لنظام الرعاية، حيث فقد آلاف المرضى سلسلة علاجهم. فقد تمّت دعوة المنظمات الدولية مثل الصليب الأحمر لإجلاء عدد كبير من مرضى السرطان، خصوصاً الأطفال، لتلقي العلاج خارج البلاد كما حدث في أزمات سابقة مثل أوكرانيا وغزة، لكن التنفيذ ظل محدوداً مقارنة بالانتشار الواسع للنزاع.
المبادرات النسوية وحملات التوعية في زمن الحرب
في ظل هذه الجائحة الإنسانية، لم يقتصر دور النساء السودانيات على كونهن ضحايا؛ بل برزت العديد من مبادرات التضامن النسوي خلال الحرب وما بعدها. فتشكّلت منذ منتصف عام 2023 مجموعات دعم مجتمعية ونقابات نسوية مستقلة، أُطلق على بعضها أسماء مثل وِعيُ وقلوب وأيادي، وهي مبادرات أهلية تقودها متطوعات من داخل المجتمع، لا تقتصر على مريضات السرطان فحسب، بل تمتدّ لتشمل النساء المتأثرات بالنزوح والعنف وفقدان الخدمات الصحية، مع تركيز واضح على التوعية الصحية والدعم النفسي. وقد استمر نشاط هذه المجموعات حتى عام 2025، إذ نفّذت حملات توعية بسرطان الثدي في الأحياء الطرفية ووفّرت جلسات دعم نفسي للناجيات بالتعاون مع منظمات محلية صغيرة.
وفي السياق نفسه، برزت مبادرات فردية أحدثت أثراً واسعاً، من أبرزها تجربة الناشطة الإعلامية لمياء متوكل التي حوّلت معركتها الشخصية مع سرطان الثدي إلى منصة للتوعية والدعم النفسي، من خلال ورش وزيارات ميدانية إلى الجامعات والمدارس في دارفور وكسلا وولايات أخرى، رافعةً شعارات مثل "بالوعي نناهض السرطان" و "الكشف المبكر… قصة حياة". كما أطلق مركز نور للمرأة مبادرة كوني قوية بدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان، والتي قدّمت جلسات دعم نفسي وجلسات مشاركة قصص الشفاء في مركز الأمل للأورام، بهدف بثّ روح الأمل بين المريضات وتعزيز أهمية الاكتشاف المبكر.

المذيعة لمياء متوكل- المصدر صفحة لمياء متوكل الرسمية
من جانب آخر، تضافرت الجهود مع الجهات الرسمية والمنظمات الدولية حين استطاعت. فعلى سبيل المثال دشّنت وزارة الصحة بولاية شمال كردفان في 2025 برنامج أكتوبر الوردي للتوعية بسرطان الثدي بمشاركة المنظمات النسوية والشركاء الصحيين. كذلك نظمت جمعية تنظيم الأسرة السودانية حملات توعية سنوية بأكتوبر تحت شعار "الكشف المبكر"، شملت فحوصات مجانية ومحاضرات في الولايات. واستمرت بعض المنظمات الصغيرة، كجمعية قادرات في منطقة كبكابية في شمال دارفور، بإقامة احتفالات وورش سنوية بمناسبة اليوم العالمي لسرطان الثدي لدعم المصابات نفسياً واجتماعياً.

حملة التوعية ضد سرطان الثدي بكلية شيكان - المصدر حساب كردفانيون
وقد تناولت مبادرات التوعية التضامن النفسي والمجتمعي مثل مبادرة أكتوبر اسود التي شهد عام 2024 إطلاقتها، وهي جمعية سودانية للمناهضة ضد الحرب، التي ربطت الصمت العالمي حول مصير النساء في مناطق النزاع مع نضالهن ضد سرطان الثدي. وتعكس هذه الحملة التي أطلقتها ناشطات عبر وسائل التواصل إدراك النساء بأن رفع الوعي وحده لا يكفي ما دام العنف يهدد حياتهن. فهي حركة نسوية شعبية تدعو ليس فقط للتوعية بسرطان الثدي، بل إلى وقف العنف الذي يهدد وجودهن.
كما تلعب شركة زين للاتصالات جزءًا مهمًا من حملات التوعية بسرطان الثدي في السودان، من خلال مسؤوليتها الاجتماعية ومشاركاتها مع مبادرات نسوية وشركاء محليين. فقد قامت زين كل عام بتدشين حملة أكتوبر الوردي للتوعية بمخاطر سرطان الثدي بالتعاون مع مجموعة المبادرات النسوية. تضمنت الحملة فعاليات إعلامية وميدانية مثل التوعية المجتمعية في أم درمان وقُرى بولايات الجزيرة ونهر النيل، كما تم تقديم أنشطة كشف مجاني وتوعية بالأحياء الطرفية، مع استخدام الوسائل الإعلامية التقليدية والإلكترونية لبث نصائح وأفلام إرشادية ورسائل نصية لتعزيز مفاهيم الكشف المبكر وأهمية التوعية.
وفي هذا العام، أطلقت مجموعة من النساء المتعلمات من منطقة الحلفايا ببحري حملة توعوية تحت شعار "كلنا ضد سرطان الثدي"، تهدف إلى نشر الوعي والمعرفة بين النساء وتشجيعهن على إجراء الفحص الذاتي المبكر. تعمل هذه المبادرة بشكل تطوعي ومنظم، حيث تجوب عضواتها الأحياء والمراكز الصحية لعقد جلسات تثقيفية حول كيفية إجراء الفحص الذاتي، وشرح العلامات التي تستدعي مراجعة الطبيب، إضافةً إلى تصحيح المفاهيم الخاطئة التي تحيط بالمرض.
ولا تقتصر الحملة على التوعية فحسب، بل تمتد لتقديم الدعم النفسي والمعنوي للمصابات والمتعافيات، من خلال زيارات منزلية وجلسات جماعية تشارك فيها الناجيات قصص شجاعتهن وصمودهن، مما يعزز روح الأمل ويكسر حاجز الخوف من الكشف المبكر. وتؤكد المشاركات أن هذه الحملة جاءت لتقول لكل امرأة: أنتِ لستِ وحدكِ، نحن جميعاً معكِ في معركتك ضد السرطان.

إحدى حملات شركة زين للاتصالات في أكتوبر الوردي في كسلا - المصدر زين سودان
قصص ملهمة من الواقع
قدّم الواقع المرير قصص نجاح شخصيات علنيّة كان لها أثر تحفيزي كبير. نذكر لمياء متوكل مطوّرة حكايتها الشخصية كنموذج؛ فقد صرّحت بأنها بعد الشفاء كان لديها الدافع لإطلاق مبادرات توعوية عبر برامج إذاعية وتلفزيونية. وقد شاركت متوكل في محطات تلفزيونية وبرامج إذاعية تحث فيها النساء والفتيات على التجرؤ بفحص الثدي دورياً، مؤكدة أن الوعي في القرى أكثر إلحاحاً لأسباب عدة. كما عمدت إلى تسجيل مراحل مرضها بالصورة حين كان العلاج الكيميائي يجردها من شعرها؛ فقد نشرت صوراً تحدّت بها النظرة السلبية وألهمت أخريات بالإصرار على الحياة.
وإلى جانب الميكروفونات، شاركت مئات المرضى والناجيات في مبادرات أُطلق عليها أسماء رمزية مثل "قادمات أقوى" و "حكاية حيَاتنا" وأضاءوا منصات التواصل الاجتماعي بقصصهم. على سبيل المثال، الحاصلة على الماجستير في علم النفس، مي، شاركت قصّتها عن كيف وثّقت معاناة كل مصابة بالوثائق والدعم النفسي، مُؤكّدة أن التوعية هي الطريق الأمثل للعلاج الفعّال. ورغم الخطر الأمني، استمرت بعض المتعافيات في عقد ورش محفزة داخل مخيمات النازحين، كما في حملة "شبابيات ضد سرطان" الثدي التي نظمتها فتيات في حي الجريف شرق بنهاية 2023.
ومن بين هذه القصص المؤثرة، تبرز حكاية رشيدة، زميلتي في الجامعة، التي اكتشفت إصابتها بسرطان الثدي في سبتمبر 2023 وسط فوضى الحرب وانهيار المرافق الصحية. كانت تعيش في مدينة نيالا، حيث أُغلقت أغلب المراكز الطبية وتوقّف العلاج تماماً، فاضطرت إلى خوض رحلة طويلة وشاقة نحو تشاد لتلقي العلاج. غادرت منزلها حاملة حقيبة صغيرة وأوراقها الطبية، تعبر الطرق المقطوعة ونقاط التفتيش، وقد أنهكها الخوف والرجاء في آنٍ واحد. تقول رشيدة: “لم يكن خوفي على نفسي فقط، بل على الفتيات اللواتي تركتهنّ خلفي، من لا يملكن ثمن السفر أو حتى تكلفة الفحص.” في المركز الطبي بتشاد، تلقت جرعات العلاج الأولى بشجاعة، وكانت تكتب يومياتها بين الألم والأمل، وتروي قصص المريضات السودانيات اللاتي لم يتمكنّ من الوصول إلى العلاج. واليوم، رغم استمرارها في رحلة العلاج، لا تزال رشيدة تبعث رسائلها عبر الهاتف لتشجّع الأخريات على الفحص المبكر، مؤمنة بأن المرض لا يعني النهاية بل بداية جديدة للحياة والإصرار.

الفحص المبكر حياة - المصدر حساب محمد المختار
القيادة بالقدوة
ذهبتُ في الثاني من أكتوبر هذا العام لإجراء الكشف المبكر في إحدى مستوصفات الخرطوم بحري الطبية، حيث قابلت الدكتورة رؤى الأمين التي أجرت لي الفحص السريري البسيط، وأوصتني بأهمية نقل خطوات الفحص الذاتي إلى باقي الفتيات حتى تعمّ الفائدة وتزداد ثقافة الوعي بين النساء. شرحت لي الطبيبة أن الفحص الذاتي يمكن لكل امرأة القيام به مرة واحدة شهرياً بعد انتهاء الدورة الشهرية بأيام قليلة، وذلك أمام المرآة أو أثناء الاستحمام، من خلال:
1. تفقد شكل الثديين وملاحظة أي تغيّر في الحجم أو اللون أو شكل الجلد أو الحلمة.
2. رفع الذراعين للأعلى ومراقبة أي انكماش أو تجعّد في الجلد.
3. جسّ الثدي بالأصابع بحركة دائرية خفيفة من الخارج إلى الداخل، بحثاً عن أي كتل أو مناطق صلبة غير مألوفة.
4. التحسس تحت الإبطين لأن بعض الكتل قد تظهر هناك أيضاً.
5. تسجيل أي ملاحظة جديدة ومراجعة الطبيب فوراً إذا ظهرت كتلة أو إفرازات أو ألم مستمر.

خطوات الفحص الذاتي- المصدر منظمة بهية المصرية
ونبّهت إلى أهمية الانتباه لعدة علامات تستدعي مراجعة الطبيب، مثل:
1-إفرازات غير طبيعية من الحلمة.
2-تغيّر في شكلها أو انكماشها للداخل.
3-احمرار أو تقشّر في جلد الثدي.
4-ألم مستمر أو ثقل في جهة واحدة دون سبب واضح.

أعرض سرطان الثدي الشائعة- المصدر منظمة الصحة العالمية
وفي سياق الحديث، سألتُ الطبيبة عن حالات الإصابة والتعافي، فأشارت إلى أنه رغم ارتفاع معدلات الإصابة في السنوات الأخيرة، فإن العلاج لم يعد أمراً مستحيلاً، وروت لي قصة فتاة جاءت العام الماضي للفحص المبكر واكتشفت إصابتها في مرحلة مبكرة، وقد تعافت تماماً بعد أن تلقت علاجها في مصر، نتيجة لانهيار بعض المستشفيات التي كانت تستقبل الحالات داخل السودان. وأضافت الدكتورة رؤى أن الأمل موجود، وأن العلاج أصبح ممكناً وأسهل من ذي قبل بفضل التطور في التشخيص والعلاج المبكر، مشددة على أن الوعي والفحص المنتظم هما خط الدفاع الأول ضد المرض.
الوضع الراهن وآفاق المستقبل
رغم الدمار الواسع الذي لحق بالبنية التحتية الصحية خلال الحرب، بدأت تلوح بعض بوادر التعافي في مشهد الرعاية الصحية للسرطان في السودان. ففي يونيو 2025، أصدرت الحكومة قراراً يقضي بإعادة تأهيل وتشغيل مراكز الأورام والغسيل الكلوي التي تضررت، وهو ما أعاد الأمل لآلاف النساء المصابات اللواتي انقطعت بهن سبل العلاج. كما أكدت وزارة الصحة التزامها بإعادة تشغيل مستشفى الخرطوم للأورام ومراكز الأقاليم فور استقرار الأوضاع الأمنية.
وفي السياق ذاته، نفّذت الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) أول مهمة تقييم شاملة للسرطان في السودان بطلب من وزارة الصحة الاتحادية، لتحديد القدرات الحالية واحتياجات السيطرة على المرض ضمن مبادرة Rays of Hope. وأوصى التقرير بدعم تحديث خدمات العلاج الإشعاعي ووضع استراتيجية وطنية متكاملة للسرطان. وتعد هذه الخطوة من أبرز مؤشرات الاهتمام الدولي بإعادة بناء منظومة علاج الأورام في البلاد.
على مستوى المشاريع الميدانية، أعلنت إدارة مستشفى علاج سرطان الأطفال المجاني بالخرطوم عن انتقالها إلى مبنى جديد بمساحة ستة آلاف متر مربع تمهيداً لتوفير أجهزة العلاج الإشعاعي الحديثة، بعد أن أصبح المبنى القديم غير صالح للاستخدام. كما جرى تدشين مركز العناية بالثدي للكشف المبكر في مستشفى المقرن الجامعي التابع لجامعة النيلين، الذي يضم أحدث أجهزة الفحص والتصوير لتشخيص الحالات في مراحلها.
ورغم هذه المبادرات، لا تزال التحديات قائمة؛ فمستشفى الذرة في الخرطوم يعاني من نقص في بعض الأدوية الأساسية مثل أدوية العلاج الهرموني وسيتوكينات العلاج الكيميائي، وتأخر صيانة أجهزة الإشعاع أدى إلى قوائم انتظار طويلة للمرضى. أما مراكز علاج الأورام في الولايات فقد ازدادت ازدحاماً بعد موجات النزوح، ما تسبب في ضغط كبير على الموارد المحدودة. ومع ذلك، تبقى بوادر الأمل واضحة؛ إذ أعلنت الحكومة نيتها إعادة تأهيل هذه المراكز تدريجياً وتشغيلها مجدداً، فيما تعمل منظمات دولية ومحلية على إدخال أجهزة جديدة وتوسيع برامج الدعم النفسي والتوعية. كما بدأ تنفيذ برامج تدريب للقابلات والعاملات الصحيات في القرى على تقنيات الكشف المبكر، ضمن خطة لتوسيع التغطية الجغرافية وتقليل الوفيات، وفق ما أكده مسؤولون بوزارة الصحة في ولاية الخرطوم.
ورغم أن الطريق ما يزال طويلاً لإعادة بناء نظام صحي متكامل لعلاج السرطان، فإن هذه الجهود المشتركة بين الدولة، ومنظمة الصحة العالمية (WHO)، والوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA)، والمنظمات المحلية مثل جمعية تنظيم الأسرة السودانية (SFPA)، والمجتمع المدني، تمثل نقطة انطلاق حقيقية نحو مستقبل أفضل.

افحصي و طمنينا ( حملة ضد سرطان الثدي) - المصدر حساب محمد المختار
خاتمة
في الختام، ورغم أن الحرب أضافت أعباء شديدة على نضال المريضات، فإن الإصرار النسوي يظل قائماً. فكما قالت دكتورة رؤى: نحن لا نبحث فقط عن العلاج، بل نحتاج لأن يُسمع صوتنا عالياً. لقد تحوّلت الكثير من الناجيات والأمهات إلى دعاة بين النساء من حولهن، ينشرن قصص الشفاء والأمل، مُستلهمات القوة من رباطة الجأش التي أظهرتها أخريات. ومن خلال هذا النضال المشترك سواء عبر شبكة من النساء الإغاثيات أو عبر منصات التواصل، يسعى السودانيات إلى إثبات أن سرطان الثدي لا يقهرهن. وقد رسخ هذا النضال الجاد قيمة التضامن والتوعية المجتمعية: فالوعي الجماهيري والالتفاف حول الضحايا قد يشكّلان يوماً طوق نجاة يُنقذ حياة مئات، بل آلاف من النساء في السودان.