هذا المقال متوفر أيضاُ باللغة English

ثورة هادئة تشتعل في أحياء كوروغوتشو العشوائية المترامية الأطراف في نيروبي، المجاورة لأكبر مكب نفايات مفتوح في أفريقيا، وهو مكب داندورا. تقود هذه الثورة امرأة ذات رؤية، جوان أوتينو، التي بدأت رحلتها من مشاهدة حماس الفتيات في الأحياء الفقيرة خلال عرض أزياء عام 2017، إلى تأسيس "واريمبو واسانّي" في 2018، تجسيداً لقوة التحول التي يحدثها العمل النسوي المجتمعي.


أكبر مكب نفايات مفتوح في أفريقيا، مكب داندورا. المصدر: أرنيكا


هذا التجمع ليس مجرد استوديو للأزياء، بل هو في الواقع مساحة تحوًل ابداعية تتحول فيها النفايات المهملة إلى جمال، حيث تستعيد الشابات قوتهن ومصدر دخلهن ومستقبلهن.


رحلة جوان: من الإلهام إلى المستقبل النسوي


اكتشفت جوان لأول مرة الشرارة التي أشعلت "واريمبو واسانّي" خلال عرضها الأول للأزياء في 2017 بمركز مايكل جوزيف في نيروبي. هناك شاهدت فتيات من الأحياء الفقيرة يبدعن في تصميم الأزياء بشغف، متحديات بيئتهن الصعبة بإبداعهن. تقول جوان وهي تضحك: "أتذكر أنني حصلت على 10,000 شلن كيني مقابل عرضي الأول." لكن الأثر الأعظم لم يكن في المال، بل في الصلة التي كونتها مع هؤلاء الفتيات، في قصصهن ونضالاتهن وأحلامهن.


بدأت "واريمبو واسانّي" بشكل متواضع، متنقلة من بابا دوغو إلى كاريونانجي، قبل أن تستقر في كوروغوتشو، بجوار المكب مباشرة. هذه القرب من النفايات أمر متعمد، كتذكير يومي بالمواد الخام المتاحة بين أيديهن، وبحقن الأمل وسط الصعوبات. تُشير جوان: "الأمر يتعلق حقاً باستخدام ما هو متاح بسهولة. تحويل المشكلة إلى حل. النساء يجتمعن ويعملن معاً. هناك قوة عظيمة في النساء."


جوان أوتينو، مؤسسة استديو واريمبو واسانّي. المصدر: إدوين أوستين


سحر التحول: تحويل النفايات إلى كنوز


يتميز سحر "واريمبو واسانّي" بأنه ملفت وعميق في الوقت نفسه. حيث يزور الحرفيون مكب داندورا ثلاث مرات أسبوعياً خلال عطلات المدرسة لجمع البلاستيك المهمل، والخردة المعدنية، والأقمشة القديمة. تمر هذه المواد بعملية تنظيف دقيقة قبل أن تتحول إلى إكسسوارات مطرزة بالخرز، وملابس مصممة حسب الطلب، وقطع أزياء تحمل قصصاً أعمق بكثير من مظهرها الخارجي.


تخيلي مساحة القمامة الشاسعة مقابل الخرزات الدقيقة المخيطة على الأقمشة الملونة. الأيدي التي تفرز الطبقات المختلفة من النفايات هي نفسها التي تخيط الحياة في قطع الأزياء المعروضة على مسارح محلية ودولية. هذا التباين، بين قسوة المكب وأناقة الحرف، يمثل السحر التحويلي لـ "واريمبو واسانّي"، وهو استعارة حيّة للصمود والإبداع.


مواد النفايات المعاد تدويرها في استوديو واريمبو واسانّي. المصدر: إدوين أوستين


مستقبل نسوي: تمكين يتجاوز الدخل


بالنسبة للعديد من الفتيات دون سن الثامنة عشر، يُعتبر "واريمبو واسانّي" ملاذاً، ومساحة فنية، ومجتمعاً آمناً خالياً من هشاشة الحياة في الأحياء الفقيرة. كما توضح جوان: "نعمل معاً، نلعب معاً، ونتحدث عن الكثير من أمور الفتيات." لكن هذه المبادرة تتجاوز مجرد الصداقة؛ فهي عن تمرد هادئ واستعادة القدرة على اتخاذ القرار.


تقول مورين أتيينو، أم لطفلين وتعمل في استوديو "واريمبو واسانّي": "الدخل الذي نحصل عليه يساعد في تكاليف المنزل. وعندما يكون أطفالنا هنا، أشعر أنهم في أمان." هذا التحكم الاقتصادي يمكّن هؤلاء الشابات من إعادة تعريف أدوارهن داخل أسرهن ومجتمعاتهن. ووفقاً لجوان، فقد أسست عدة متدربات متاجر أزياء خاصة بهن.


جوان أوتينو، على اليمين، برفقة مورين أتينو. المصدر: إدوين أوستين


ويمتد هذا التمكين إلى الخارج أيضاً. حيث تشير إيفانز أوكومو، أحد الحرفيات المتعاونات مع جوان، كيف تلهم النساء المتمكنات الشباب في المجتمع للبحث عن عمل، مما يخفف الضغوط الاجتماعية. وتعلق قائلةً: "من الصعب على الرجل العاطل عن العمل أن يتودد إلى امرأة متمكنة تعمل"، مسلطةً الضوء على التغيرات الدقيقة في الديناميات الجندرية في الأحياء الفقيرة.


التحديات والانتصارات


يشكل العمل داخل حي فقير مليء بانعدام الأمان تحديات مستمرة. فبعض الآباء متشككون، خوفاً من الاستغلال أو سوء فهم أخلاقيات المساحة الفنية. كما تواجه جوان توقعات الحرفيين بالحصول على أجر منتظم، وهو ما يختلف عن نموذج العمل الجماعي القائم على المجتمع. ومع ذلك، فإن إشراك أفراد المجتمع في الورش ساهم في التخفيف من بعض المخاوف الأمنية، مما عزز الثقة والشعور بالملكية المشتركة.


رغم هذه العقبات، يمتد تأثير المجموعة إلى ما هو أبعد من كوروغوتشو. أخذ عمل جوان إلى معارض وورش أزياء عالمية، من ستوكهولم إلى باريس، ومن أستراليا إلى نيروبي، لتسليط الضوء على الإبداع المولود من المخلفات المهملة. تقول بابتسامة: "رؤية تقدير الأجانب للأعمال التي تقوم بها هؤلاء الفتيات الصغيرات لحظة فخر حقيقية."


رؤية جوان طويلة المدى واضحة وطموحة: "أريد أن أرى النساء يعملن معاً، والفتيات يعيشن في مساحات آمنة، وأن يكون لدينا بيئة أنظف للجيل القادم، وأن نتعاون مع المؤسسات لتحقيق أهداف بيئية مستدامة." وبحسب وصفها، فإن واريمبو واسانّي ليست مجرد استوديو أزياء، بل هي قصة تحول: من النفايات إلى العجائب، من الصمت إلى الصوت، ومن القمع إلى الفرصة.


إدوين أوستن

إدوين أوستن صحفي ومراسل دولي كيني، معروف بسرده المؤثر الذي يجمع بين الفن والإعلام والمناصرة. بخلفية قوية في مجالات السياسة والاستدامة والدبلوماسية، يقدّم رؤى عميقة وواضحة حول القضايا المعقدة.