المصدر: الخدمات التعليمية في المملكة المتحدة
الطموح للعيش والدراسة في الخارج هو رغبة شائعة لدى كثير من الشباب اليوم، مدفوع بعوامل متعددة. من أبرز الدوافع هو ضعف البنية التعليمية في بلدانهم الأصلية، والحاجة إلى تطوير المسار الأكاديمي. كما أن الرغبة في الاستقلالية والاعتماد على النفس تُعد من المحركات القوية لهذا القرار، فالحياة في الخارج تعني غالباً خوض تحديات الحياة بمفردك. إلى جانب ذلك، هناك سحر استكشاف ثقافات متنوعة، وتذوق أطعمة مختلفة، وبناء علاقات مع أشخاص من خلفيات متعددة، وغيرها من التجارب المغرية التي تعزز هذا التوجه.
كل هذه الأمور بلا شك مشوقة، وهي جزء من الرحلة، لكنها كثيراً ما تُلهينا عن الصعوبات الحقيقية التي يواجهها الطالب الدولي في قارة أخرى. حياة الطالب الدولي تُصوَّر في الغالب بصورة رومانسية، ومقاطع الفيديو التي نشاهدها على وسائل التواصل الاجتماعي لا تمثل سوى الجزء الأصغر من التجربة. أنا هنا لأخبركم بالحقيقة، الحقيقة المُرَّة.
دوامة عاطفية
عندما وصلتني رسالة القبول لأول مرة، غمرتني السعادة والحماس، لكن سرعان ما تحولت تلك المشاعر إلى توتر وضغط نفسي مع الدخول في دوامة التأشيرة، وتصديق الوثائق، وترتيب الأمور المختلفة. واحدة من أهم الدروس التي تعلمتها في تلك المرحلة هي أهمية التواصل مع طلاب آخرين في السفارة؛ فقد يمتلكون معلومات قد لا تكون على دراية بها. هذا ما حدث لي، ومن خلال هذا التواصل تعرفت على صديقتي المقربة التي كانت متوجهة لتدرس في مدينة البندقية.
حتى لحظة حصولي على التأشيرة، كنت أعيش في حماس دائم وأحلام عن حياتي القادمة في إيطاليا، العيش بمفردي، واستكشاف العالم. لكن بمجرد أن صدرت التأشيرة، بدأت الأمور تأخذ منحى واقعياً. كوني البنت الكبرى والوحيدة في العائلة، اجتاحتني مشاعر مختلطة وصعبة؛ كيف سأترك والديّ؟ ماذا عن إخوتي؟ وأقاربي؟ بدأت أستوعب حقائق مؤلمة مثل: "لن أرى أبناء عمومتي الصغار يكبرون"، "لن أكون حاضرة في مناسبات عائلية مهمة"، وغيرها الكثير من الإدراكات التي كانت موجعة وصادمة.
استعد لأن تغمرك هذه المشاعر، فهي طبيعية تماماً، ومن الطبيعي أن تشعر بها. من المهم أن تتقبل فكرة أن قرارك بالسفر من أجل تطورك الشخصي هو قرار سليم، فهو في النهاية يعود بالنفع عليك وعلى عائلتك أيضاً. ولا تقلق، عائلتك ستكون بخير!
مطار بولي الدولي المصدر: كالكيدان زلالم
إيجاد الطريق
نظراً لكونها المرة الأولى التي أغادر فيها بلدي، إثيوبيا، كنت أشعر ببعض التوتر. التجول في ذلك المطار الضخم، المرور عبر بوابات التفتيش الأمني، والتنقل بين الصالات المختلفة، كلها كانت تجارب مرهقة بعض الشيء. لكن السبب الرئيسي في ذلك هو أنها كانت تجربة جديدة تماماً بالنسبة لي؛ فالحقيقة أن اللافتات والإرشادات كانت واضحة وسهلة المتابعة، وتمكنت في النهاية من الوصول إلى صالتي دون مشكلة. من المهم جداً أن تطّلع جيداً على تعليمات شركة الطيران التي تسافر معها. راجع بدقة وزن الحقائب المسموح به، والمعلومات المتعلقة بحقيبة اليد. صدقني، سيتخلصون من أي شيء غير مسموح به دون استثناء، لذلك من الضروري أن تقرأ بعناية ما هو مسموح بحمله داخل حقيبة اليد وما هو ممنوع.
نصيحة جانبية: بدلاً من حمل حقيبة ظهر أو حقيبة كتف ثقيلة، جهز حقيبة سفر صغيرة الحجم، وضع فيها أشياءك الأساسية مثل الوثائق وبعض الملابس، واحمل حقيبة يد صغيرة أو حقيبة كتف خفيفة فيها جواز سفرك، وزجاجة ماء، وأغراضك الشخصية. بهذه الطريقة سيكون من الأسهل عليك التنقل داخل المطار، لأنك ببساطة ستجر حقيبتك الصغيرة بدلاً من حمل كل شيء على ظهرك أو كتفك، مما سيقلل كثيراً من الإرهاق!
المصدر: منطقة التعليم الأوروبية
المصدر: أم في إيطاليا
التأقلم مع حياتك الجديدة
التأقلم لا يبدأ بعد الوصول، بل يبدأ قبله.
قبل أن تسافر، تأكد تماماً من أنك قد وجدت مكاناً للإقامة (ولا أستطيع التأكيد على هذه النقطة بما فيه الكفاية). تواصل مع مرشدي الطلاب الدوليين في جامعتك، وابحث في مصادر موثوقة عبر الإنترنت عن شقق للإيجار. بالإضافة إلى ذلك، تحقق من المسافة بين مكان سكنك والجامعة؛ يُفضّل أن تكون قريبة (من 10 إلى 15 دقيقة سيراً على الأقدام يُعتبر مثالياً، وإذا كانت أقل، فأنت محظوظ!). استخدم خرائط Google لاستكشاف أماكن تواجد متاجر البقالة القريبة من جامعتك أو من سكنك، فهذا سيساعدك كثيراً في أيامك الأولى.
المصدر: تايمز للتعليم العالي
من الضروري بالقدر نفسه أن تبني علاقات مع طلاب دوليين من بلدك أو من دول أفريقية أخرى في جامعتك، فهؤلاء يمكن أن يكونوا مصدراً مهماً للنصائح والمعلومات. استخدم منصة LinkedIn للبحث عن ملفات طلاب يدرسون في نفس الجامعة، وإن لم يكونوا في نفس تخصصك. تواصل معهم، واذكر أنك طالب مقبل وتسعى للحصول على نصيحة أو إرشاد.
نقطة مهمة أخرى: حاول أن تتعلم لغة البلد قبل وصولك. نعم، قد يكون برنامج دراستك باللغة الإنجليزية، لكن من المفيد جداً أن تتقن بعض العبارات الأساسية، مثل كيفية إلقاء التحية، شراء الأغراض، أو الاستفسار عن الأسعار. معرفة الأرقام مهمة للغاية عند الشراء. أنا شخصياً كنت ذاهبة إلى مقاطعة صغيرة نسبياً في إيطاليا، ومعظم السكان من كبار السن، ومن النادر أن تجد من يتحدث الإنجليزية. حتى دورة اللغة الإيطالية كانت بالكامل بالإيطالية، دون استخدام أي كلمة إنجليزية! ماما ميا! بعد وصولك، حاول أن تكون اجتماعياً أكثر، تحدث مع الناس، ولا تخف من استخدام اللغة الجديدة؛ من الطبيعي أن تخطئ في البداية، ومع الوقت ستتحسن.
إذا كنت لا تحب الأكل في الخارج أو لم يعجبك طعام الكافيتيريا الجامعية أو كنت تريد التوفير، اجعل من الطبخ عادة يومية. أعلم أن الأمر قد يبدو مرهقاً، خصوصاً بعد يوم طويل من الدراسة، أنا شخصياً نمت مرات عديدة وأنا جائعة لأنني كنت مرهقة جداً لطهي أي شيء. لذلك، حاول التخطيط لوجباتك مسبقاً وتجهيز بعضها مسبقاً، لتسهّل على نفسك المهمة وتوفّر الوقت والطاقة. ذاكر دروسك سواء في المنزل أو في المكتبة، وابنِ علاقات طيبة مع الأساتذة، وابذل جهدك قدر الإمكان.
العيش بميزانية محدودة
بالنسبة لي، الانتقال للحياة الجامعية المستقلة كان بمثابة صدمة؛ فقد كنت أعيش في بيت لم أتحمّل فيه يوماً مسؤولية دفع الإيجار أو الفواتير أو شراء الطعام أو الطبخ. فجأة، وجدت نفسي مضطرة لتعلّم كيفية إدارة المال، شراء البقالة، دفع الإيجار والفواتير، ومحاولة التوفير مما يتبقى. الوضع يكون أصعب بكثير إذا لم يكن لديك وظيفة. المنحة الدراسية بالكاد تكفي لتغطية الاحتياجات الأساسية، ولا تسمح بالكثير من الرفاهية. لذا، إن أمكنك أن تجد عملاً بدوام جزئي، فذلك سيكون مفيداً جداً ويخفف كثيراً من الأعباء المالية.
المصدر: مجلة سايكولوجي توداي
الوحدة
بعد وصولك ومحاولتك التأقلم مع الحياة المستقلة، قد تشعر بالوحدة. وإن كانت هذه هي المرة الأولى التي تبتعد فيها عن العائلة والأصدقاء، فقد تشعر بذلك بشكل مضاعف. لكن حاول أن تُكوِّن صداقات، وأن تستكشف المكان من حولك، وأن تنشغل بأشياء تثير اهتمامك. من الطبيعي تماماً أن تشعر بالوحدة أحيانًا، وتذكّر أن هذا الشعور مؤقت. في حالتي، لم أكن أملك الكثير من الأصدقاء، وظروف مختلفة منعتني من رؤية الناس بالقدر الذي كنت أتمناه.
تعرفوا على فن و ثقافة الدولة. المصدر كالكيدان زيلاليم
استغل وقتك بمفردك كفرصة لتتعرف على نفسك أكثر، واغمر نفسك في عملك أو هواياتك. حاول زيارة المعارض الفنية، المتاحف، واكتشاف الأماكن الجديدة قدر ما تستطيع، وكن منفتحاً على التجارب المختلفة. لقد مررت بنصيبي من الشعور بالوحدة، غياب الأصدقاء الذين يمكنني التحدث إليهم، تناول الطعام وحدي، خاصة في الأماكن العامة، وهذه المواقف قد تؤثر على صحتك النفسية.
المصدر: كلكيدان زلالم
من الطبيعي أن تشعر بثقل الاكتئاب في مثل هذه اللحظات، ومن المهم أن تحاول تجاوزه، لكن لا تنسَ أن تقبَل هذه المشاعر وتتفاهم معها. من الجيد أن تطلب الدعم من من تحبهم؛ ستنهض أقوى، ولا تنسَ أن تضع ثقتك في الله دائماً.
العيش مع الآخرين
كشخص اعتاد العيش مع والديه وإخوته، أستطيع أن أقول إن التكيّف مع السكن المشترك كان ولا يزال تحدياً كبيراً بالنسبة لي. مشاركة المساحات العامة، مشاركة الغرفة، وتقسيم الفواتير (غاز، كهرباء، ماء...) كلها أمور ليست سهلة. قد تجد نفسك تعيش مع أنواع مختلفة من الأشخاص، من زملاء أنانيين، أو فوضويين، أو مزعجين، أو ببساطة لا يراعون مشاعر من حولهم ويفكرون فقط في أنفسهم. قد يكون من الصعب ضبط أعصابك، لكن حاول قدر الإمكان ألا تغضب، رغم صعوبة الموقف. عبر عن مشاعرك بطريقة مهذبة وصريحة.
قد تصل إلى نقطة تضطر فيها لرسم حدود واضحة، لكن أنصحك دائماً بالصبر. كذلك، قلل من التفاعل اليومي إلى حدود التحية والمجاملات البسيطة مثل "مرحباً، كيف كان يومك؟"، وحاول ترتيب جدولك بناءً على وقت وجود الشخص الآخر لتمنح نفسك القليل من الراحة والهدوء. هذه مرحلة مؤقتة، وسيكون الوضع أفضل مع الوقت، فقط تَسلَّح بالصبر وابتعد عن السلوك العدواني غير المباشر. ولا تنسَ أن هذه مجرد فترة وستمر، كما يقول المثل الإيطالي المفضل لدي: “Tutto Passa” — "كل شيء يمر"، ولدينا نحن أيضاً في الأمهرية قول مشابه: (هولوم يالفال). أنت قادر على تجاوز هذا!
المصدر: The oak leaf
العلاقة عن بُعد
العلاقات عن بُعد قد تجعل العلاقة أقوى أو تكسّرها؛ كل ذلك يعتمد على الأفراد وكيفية تعاملهم مع المشاكل التي يواجهونها. قد تكون الأمور صعبة في البداية، لكن مع الوقت ستصبح أسهل. استثمار الوقت الجيد معاً، سواء من خلال الأنشطة المشتركة مثل مشاهدة الأفلام، أو التحدث عبر الفيديو، أو المشاركة في مناقشات فكرية من خلال قراءة الكتب أو مشاهدة الوثائقيات، يفتح أمامكما العديد من الاحتمالات. الحفاظ على علاقة عن بُعد يتطلب التزاماً من الطرفين. إن تأكيد الحب المستمر هو الأساس، والدعم الثابت من شريكك يصبح أمراً لا غنى عنه في هذه الرحلة. في النهاية، مع الالتزام، والتواصل، والحب الحقيقي، يصبح البُعد تحدياً يمكن التغلب عليه في العلاقة.
فيما يلي بعض النقاط المهمة من الفقرات السابقة:
- تأكد من أنك قد حجزت مكانًا للإقامة قبل مغادرتك. مواقع مثل "Immobiliare"، و"Subito"، و"Idealista" تُستخدم بشكل واسع بين الطلاب في إيطاليا، ومواقع مثل "Spareroom" تُستخدم بشكل واسع بين الطلاب في المملكة المتحدة.
- احرص على الحصول على معلومات حول التفاصيل مثل ما إذا كان من الآمن شرب مياه الصنبور، وسائل السفر، الحافلات (مثل حافلة Sun bus)، القطارات (Trenitalia)، إلخ…
- يجب أن تكون لديك فهم أساسي للغة الأجنبية.
- راجع بعناية إرشادات شركة الطيران، الحد الأقصى للوزن، ما يمكنك حمله وما لا يمكنك حمله.
- احرص على أن يكون لديك حقيبة صغيرة يمكن حملها بسهولة أثناء تنقلك عبر المطار.
- تواصل وتفاعل مع زملائك في الدراسة وتكوين صداقات.
- ستعتاد (ببطء) على الطقس وتقلباته.
- إعداد الوجبات مهم جداً، خطط وابدأ في تحضير طعامك.
- إدارة أموالك بشكل جيد.
- حاول العثور على وظيفة بدوام جزئي لكسب بعض المال لمساعدتك في دفع الفواتير.
- استكشف وجرّب الثقافة والمدن.
- خطط لخطوتك التالية.
التطبيقات المهمة التي يجب تنزيلها:
- خرائط جوجل.
- جوجل ترجمة باستخدام زر الكاميرا- لأخذ صورة لكتابة باللغة الأجنبية وترجمتها إلى الإنجليزية أو أي لغة أخرى تريدها.
- تطبيق Wise أو Revolut إذا لم تحصل على حساب مصرفي في المكان الذي تتواجد فيه.
- تطبيق Trenitalia لحجز الرحلات من هاتفك.
- تطبيقات للحافلات، لمتابعة الحافلات بشكل مباشر ومعرفة محطات التوقف والنزول في المحطة الصحيحة.
وأخيراً، عند اختتام هذا المقال، أود أن أهنئك إذا حصلت على القبول، وإذا حصلت على تأشيرتك، وأود أيضاً أن أقدم لك كلمات من الدعم إذا كنت في مرحلة التقديم. أنت قادر على ذلك!
"دع الأمور تسير وثق بتدبير الله لك".