هذا المقال متوفر أيضاُ باللغة English

شعار إيتان كوميكس. المصدر: إيتان كوميكس


يُعَدّ التنوع الحيوي والغني في السرد القصصي الذي ينبع من القارة الإفريقية أحد أبرز السمات المميزة لعالم القصص المصورة في إفريقيا. إذ تقدّم القصص المصورة الإفريقية منظوراً فريداً، تستلهم فيه عناصرها من التراث الثقافي الغني للقارة، ومن الأحداث التاريخية، والتحديات الراهنة.

 

وعلى عكس القصص المصورة الغربية السائدة، غالباً ما تدمج القصص المصورة الإفريقية موضوعات من الأساطير الإفريقية، والحكايات الشعبية، والتقاليد المحلية. ويستخدم المبدعون الأفارقة هذه القصص كوسيلة لاستعراض ثقافاتهم الأصلية، والاحتفاء بجذورهم، واستكشاف تعقيدات الهوية الإفريقية. وغالباً ما تتناول هذه القصص قضايا اجتماعية وسياسية مثل النزاعات القبلية، والمشكلات البيئية، وتأثير الاستعمار، كما تسلط الضوء على تجارب كثيراً ما يتم تجاهلها أو إساءة فهمها، بالإضافة إلى استكشاف المواقع التراثية التاريخية.

 

كما تتميز القصص المصورة الأفريقية بتنوع بصري واسع يجمع بين الجماليات الإفريقية التقليدية والتقنيات المعاصرة. حيث يُدخل الفنانون في أعمالهم أنماطاً معقدة، وألواناً زاهية، وأيقونات رمزية، مما يُنتج سرديات بصرية مبهرة وغنية ثقافياً. تناولنا في هذا المقال عالم القصص المصورة في أوغندا، وسنستكشف في هذا المقال عالم القصص المصورة في إثيوبيا.

 

كيف بدأ كل شيء؟

 

منذ صغره، اعتاد بيسيرات رسم رسومات مضحكة مصحوبة بقصص طريفة، لم تفشل يوماً في انتزاع ضحكات عالية من أصدقائه. ظلّت تلك الذكرى عزيزة على قلبه، فاستمر بيسرات في شغفه بقراءة القصص المصورة الغربية واليابانية طوال سنوات شبابه. وذات يوم، صادف النسخة الإثيوبية من مسلسل "فتيات القوة"، فأثار ذلك في ذهنه سؤال لاذع. بحث كثيرًا، ولكن دون جدوى؛ لم يجد أي قصص مصورة تُنتَج في إثيوبيا، أو تتحدث عن إثيوبيا، أو من تأليف إثيوبي. وهنا قرر أن يصنع قصته بنفسه، دون أن يعلم أنها ستصل إلى العالمية، ودون أن يتخيل أنها ستكون جوابأً لأسئلة الشباب الإثيوبي.




البطل الخارق جمبر. المصدر: إيتان كوميكس (فيسبوك)


كانت أولى إبداعاته بعنوان "جمبر (JEMBER)"، تجسيداً لطموحاته وبدايةً لمسيرته. من خلال الحبر والألوان، منح الحياة لشخصيات وقصص تستلهم جذورها من الهوية الإثيوبية، لتحكي حكايات عن الشجاعة، والإرث الثقافي، وعالَم يلتقي فيه الاستثنائي باليومي.


في هذا الحوار، نغوص في عقلية بيسرات ورؤيته الإبداعية لعالم القصص المصورة.

 

أندريا: كيف تبدو عملية الإبداع عندما يتعلق الأمر بابتكار الحبكة والشخصيات؟

 

بيسرات: لدي اجتماعات لطرح الأفكار والعصف الذهني، لكن شخصياً، أبتكر قصصاً تلامسني وجداني. كل قصة هي وسيلة لمشاركة درس من شخص إلى آخر، أليس كذلك؟ نحن نغلفها بكل عناصر الأكشن والرسومات الخارقة وكل شيء، لكنها في جوهرها تدور حول مشاركة الحكمة التي تعلمتها في حياتك أو من تجاربك مع الآخرين، وهذا بالضبط ما أفعله.

 

"جمبر" هي قصة عن اكتشاف قيمتك الذاتية، والتخلي عن آراء الآخرين فيك. عندما تكون شخصاً يشعر باليأس، ثم تكتشف فجأة أنك تملك قوة خارقة، هل تصبح شخصاً جديداً؟ الدرس هنا هو أنك كنت دائماً شخصاً ذا قيمة، ولا تحتاج إلى لقب أو مكانة لتثبت ذلك. "جمبر" يروي حكاية شاب يكتشف هذا الطريق ويتعلمه من خلال مغامرته كبطل خارق. تدور العملية الإبداعية كلها حول ما أريد قوله، وما أريد مشاركته مع الآخرين.


أندريا: ما التحديات التي واجهتك بعد نشر "جمبر


بيسرات: متلازمة المحتال كانت تحدياً كبيراً في البداية. كنت أسأل نفسي: "هل أعرف حقاً ما أفعله؟" و"ما الذي أحتاج إلى معرفته أكثر؟". كان ذلك تحدياً شخصياً كبيراً. ومن جهة أخرى، في مجتمعنا الإثيوبي، الوعي بثقافة القصص المصورة ليس بنفس المستوى الموجود في المجتمعات الغربية أو اليابانية، لذلك، بالإضافة إلى الترويج للكتاب، كان عليّ أيضاً أن أُثقّف الناس حول هذا الفن. وأضف إلى ذلك أنه لم يكن هناك صانعو قصص مصورة آخرون، فكنت أشعر بالوحدة في هذه الرحلة؛ لم يكن هناك ما يمكن تسميته "مجتمع صُنّاع القصص المصورة الإثيوبيين".

 

بكثير من الحذر والأمل، قدم بيسرات أول قصة مصورة له "جمبر" إلى المجتمع الإثيوبي تحت مظلة شركته "إيتان كوميكس (Etan Comics)". كانت تلك خطوة جريئة نحو المجهول، اختباراً لإبداعه من جهة، ولتفاعل جمهوره من جهة أخرى. وحين جاء الرد، كان أشبه بسيمفونية من القبول. احتضن القرّاء "جمبر" كما لو أن بيسرات قد نفخ الحياة في أحلامهم الجماعية.


المصدر: إيتان كوميكس وبينترست (عرض جنباً إلى جنب لشعار إيتان كوميكس ومبخرة مصنوعة من الطين)


أندريا: كيف اخترت اسم "إيتان كوميكس"؟ (كلمة "إيتان" تعني "البخور" عند ترجمتها إلى الإنجليزية)


بيسرات: كلما شممت رائحة "إيتان"، سواء في جلسات القهوة، أو تجمعات العائلة، أو في الكنيسة، أعرف أنني على وشك قضاء وقت ممتع، وهذا بالضبط ما أريده للناس أن يشعروا به عندما يقرؤون القصص المصورة.



أول بطلة خارقة أثيوبية. المصدر: إيتان كوميكس 


حقائق عن إيتان كوميكس

 

  • أول قصة مصورة خارقة لأبطال إثيوبيين.
  • تم نشر الطبعة الأولى من "جمبر" بـ12 لغة مختلفة.
  • أول شخصية بطلة خارقة نسائية في إثيوبيا تُدعى "هاوي"، وقد صدرت قصتها بعد "جمبر".
  • "إيتان كوميكس" تنشر قصصاً مصورة ثنائية اللغة، بالإنجليزية والأمهرية.
  • ظهرت "إيتان كوميكس" مؤخراً في وسائل الإعلام الإخبارية اليابانية.
  • نشرت "إيتان كوميكس" أكثر من 20 قصة إفريقية مستوحاة من الثقافة والتاريخ الإفريقيين.
  • مؤسس إيتان كوميكس، بيسرات، ينشر محتوى مرئياً تثقيفياً وتاريخياً وترفيهياً على إنستغرام وتيك توك.
  • بيسرات مهندس في مهنته الأساسية.


صفحة من الكوميك باللغة الانجليزية. المصدر: Amplify Africa


أندريا: هل هناك خطط أو مشاريع أو أعمال جديدة تود مشاركتها مع القراء؟

 

بيسرات: نعم، لدينا خطط كبيرة، وهناك كتاب جديد قادم، عبارة عن رواية مصورة تتجاوز 80 صفحة، وهو أيضاً مجموعة مختارات من قصص مختلفة لصُنّاع محتوى من مختلف أنحاء إفريقيا. لدينا مجموعة رائعة من المبدعين في هذا العمل، ومنذ البداية كان جزء من رسالتي هو تمكين زملائي من المبدعين الآخرين من سرد قصصهم. وأنا ممتن جداً أنه بعد مرور خمس سنوات، أستطيع أخيرًا القيام بذلك. نحن على وشك نشر أعمال هؤلاء الأشخاص المذهلين، ومنحهم المنصة التي يستحقونها، وتقديم قصص أكثر تنوعاً. هذا مشروع مثير للغاية قيد التنفيذ.


في عالم القصص المصورة الأفريقية النابض بالحياة، حيث تتقاطع الثقافة والتراث والتحديات المعاصرة، تبرز قصة "جمبر" من تأليف بيسرات كمنارة للإبداع والإلهام. من خربشات الطفولة الطريفة إلى مهمة ملء الفراغ في أدب القصص المصورة الإثيوبية، تُجسّد رحلة بيسرات شغفاً عميقاً ورسالة واضحة.


تُعد العملية الإبداعية لدى بيسرات انعكاسًا لإصراره على مشاركة الحكمة والدروس الحياتية من خلال سرد قصصي آسر، كما يتجلى في قصة "جمبر" التي تسبر أغوار اكتشاف الذات وتقديرها. إن حكاية بيسرات و"جمبر" وبداية عالم القصص المصورة الإثيوبية ليست مجرد قصة صانع محتوى، بل هي نهضة ثقافية تُلهم أجيالاً كاملة لتوسيع آفاق أحلامها، وتُشعل جذوة الإبداع لسنوات قادمة.

 

الموقع الإلكتروني: etancomics.com

إنستغرام: @etancomics

إكس (تويتر سابقًا): @etancomics

يوتيوب: Etan Comics


كالكيدان زلاليم

كالكيدان زلاليم تدرس التكنولوجيا الحيوية و لكن شغفها يكمن في الكتابة والتصوير ورواية قصص الناس والفن وتمكين الناس. تستمتع بمشاهدة الأفلام الوثائقية سواء كانت عن الجرائم أو إستقصائية أو أفلام السير الذاتية. تشعر كالكيدان وكأنها روح عجوز وتنغمس في جمع المواد القديمة - الكتب على وجه الخصوص - ما تدين به لجدها الراحل. هدفها النهائي هو تسليط الضوء على ثراء إثيوبيا وإلهام الشابات للدفاع عن أنفسهن وعدم الاستسلام أبدًا.