هذا المقال متوفر أيضاُ باللغة English


فن رقمي. المصدر غير معروف


الذكاء الاصطناعي ليس اكتشافاً جديداً؛ في الواقع، هو موجود منذ خمسينيات القرن الماضي. لكنه لم يحظَ بالاهتمام الواسع إلا مؤخراً، وذلك بفضل تأثير القنوات الإبداعية على وسائل التواصل الاجتماعي، من الفن الرقمي إلى الموسيقى والنصوص. وقد أصبح مصطلح "الذكاء الاصطناعي" حديث الناس في الأشهر الأخيرة بسبب انتشاره الكبير ووصمه بـ"أروع صيحة تقنية".

 

لقد أحدث الذكاء الاصطناعي ثورة في مجال التكنولوجيا، وأعاد رسم ملامح المستقبل التقني، بل وتقدم البشرية ككل. ولم تكن أفريقيا بمنأى عن هذا الغزو الجديد من الأدوات الذكية والوعي الروبوتي.

 

لكن، قبل أن نغوص في ما تعنيه هذه التكنولوجيا الجديدة لمستقبل أفريقيا الاقتصادي والاجتماعي، علينا أولاً أن نعود بالزمن إلى الوراء ونبدأ من البداية، لنتفهم ما هو الذكاء الاصطناعي بالضبط، من أين جاء، وهل هو بالفعل المنقذ التكنولوجي الذي كنا ننتظره، أم أنه سلاح دمار شامل ينذر بنهاية البشرية؟

 

ما هو الذكاء الاصطناعي؟

 

يمكن تعريف الذكاء الاصطناعي بأنه عملية محاكاة يتم من خلالها دمج الوعي البشري والذكاء في الآلات، وخصوصاً في أنظمة الحاسوب. وتشمل أبسط تطبيقاته التعرف على الكلام، والرؤية الآلية، ومعالجة اللغة الطبيعية، وأنظمة الخبراء المتخصصة. وتنبثق معظم الاستخدامات الأخرى للذكاء الاصطناعي من هذه المجالات الأساسية.


يحاكي الذكاء الاصطناعي الوعي البشري بمجموعة من قواعد البرمجة المحددة مسبقًا. (مصدر الصورة: صورة من إنتاج الذكاء الاصطناعي من egf)

 

كيف يعمل الذكاء الاصطناعي؟


تعمل أنظمة الذكاء الاصطناعي من خلال استيعاب كميات ضخمة من البيانات المُعنونة، ثم تحليل هذه البيانات لاكتشاف الأنماط والعلاقات، واستخدام هذه الأنماط لاحقاً للتنبؤ بالإجراءات المستقبلية. على سبيل المثال، يمكن لتطبيق الدردشة الآلي (Chatbot) الذي يزود بأمثلة على المحادثات النصية أن يتعلم كيفية إنشاء محادثات تشبه تلك التي يجريها البشر، أو يمكن لأداة للتعرف على الصور أن تتعلم كيفية تحديد الأشياء داخل الصور ووصفها بدقة من خلال مراجعة ملايين الأمثلة، بل وقد تتمكن من إنتاج محتوى جديد وأصلي. أما تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي (Generative AI) التي تتطور بسرعة، فهي قادرة على إنشاء صور وموسيقى ونصوص ووسائط أخرى واقعية بشكل مذهل.


تركز برمجة الذكاء الاصطناعي على تطوير مهارات معرفية محددة تشمل ما يلي:


التعلم: يركز هذا الجانب على جمع البيانات وإنشاء قواعد لكيفية تحويلها إلى معلومات قابلة للتنفيذ. تُعرف هذه القواعد بالخوارزميات، وتُستخدم لتزويد الأجهزة الحاسوبية بتعليمات متسلسلة حول كيفية إنجاز مهام محددة.

الاستدلال: يهتم هذا الجانب باختيار الخوارزمية المناسبة لتنفيذ مهمة معينة وتحقيق النتيجة المرجوة.

التصحيح الذاتي: صُمم هذا الجانب لضبط الخوارزميات بشكل مستمر وتصحيح الأخطاء لضمان تقديم أدق النتائج الممكنة.

الإبداع: يستخدم هذا الجانب الشبكات العصبية، والسجلات الإحصائية، والأنظمة القائمة على القواعد، وغيرها من تقنيات الذكاء الاصطناعي لإنتاج نصوص، وصور، وموسيقى، وأفكار جديدة.


تاريخ الذكاء الاصطناعي


إذا كنت من عشّاق وسائل الإعلام مثلي، فقد يُدهشك أن تعلم أن الذكاء الاصطناعي موجود منذ ما يقارب ثمانية عقود. وعلى الرغم من أنه بدأ يلفت الأنظار مؤخراً، إلا أن هذا الاهتمام جاء لأسباب متنوعة، بعضها إيجابي والآخر مثير للجدل. لقد كانت المرة الأولى التي تعرض فيها الكثير من الناس للذكاء الاصطناعي من خلال صور مُولدة عبر الإنترنت، مثل صور مزيفة لمشاهير في لقاءات لم تحدث أبداً، أو مقاطع صوتية لفنانين يغنون أغاني لمغنين آخرين، تم إنتاجها باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي.


صورةٌ مُولّدةٌ بالذكاء الاصطناعي لمايكل جاكسون في سنٍّ متقدمة. يُمكن مُلاحظة هذه الترندات على جميع منصات التواصل الاجتماعي، مثل تيك توك وإنستغرام. (مصدر الصورة: Firstpost)


كانت أول محاولة لتطوير الذكاء الاصطناعي في عام 1943، عندما قدم وارن مكولوتش ووالتر بيتس نموذجاً للخلايا العصبية الاصطناعية. ثم في عام 1949، عرض دونالد هيب قاعدة لتحديث وتعديل قوة الروابط بين هذه الخلايا العصبية، وأُطلق على هذه القاعدة لاحقًا اسم "تعلم قاعدة هيبيان".


وفي عام 1950، نشر عالم الرياضيات البريطاني آلان تورينغ كتاباً بعنوان "آلات الحوسبة والذكاء"، اقترح فيه اختباراً يُستخدم لقياس قدرة الآلة على إظهار سلوك ذكي يعادل ذكاء الإنسان. وقد عُرف هذا الاختبار لاحقاً باسم "اختبار تورينغ". كان لتورينغ دور محوري في التأسيس لمجال تعلم الآلة والدفاع عن إمكانيات الآلات الذكية.


ننتقل سريعًا إلى القرن الحادي والعشرين. في عام 2002، دخل الذكاء الاصطناعي لأول مرة إلى المنازل من خلال مكنسة كهربائية ذكية تُعرف باسم "رومبا". ثم في عام 2006، بدأ الذكاء الاصطناعي في اقتحام عالم الأعمال، حيث بدأت شركات مثل فيسبوك وتويتر ونتفليكس في دمجه ضمن أنظمتها لتحسين الخدمات وتحليل البيانات بشكل أكثر فاعلية.


كان روبوت المكنسة الكهربائية رومبا أول منتج منزلي يعمل بالذكاء الاصطناعي مهد الطريق لثورة الذكاء الاصطناعي الجديدة في القرن الحادي والعشرين (مصدر الصورة: iRobotIndia)

 

في عام 2011، فاز نظام الذكاء الاصطناعي "واتسون" التابع لشركة IBM في مسابقة تلفزيونية شهيرة تعتمد على حل الأسئلة المعقدة والألغاز، حيث أثبت قدرته على فهم اللغة الطبيعية والاستجابة بسرعة ودقة للأسئلة المطروحة.


أما في عام 2012، فقد كان عاماً بارزاً لشركة غوغل، حيث أطلقت ميزة "جوجل ناو" ضمن تطبيقات الأندرويد، وهي خاصية تقدم معلومات تنبؤية للمستخدمين بناءً على سلوكهم واحتياجاتهم اليومية. وفي عام 2014، فاز روبوت محادثة يُعرف باسم "يوجين غوستمان" في إحدى المسابقات التي تعتمد على اختبار تورينغ الشهير.


في السنوات الأخيرة، واصلت غوغل دفع حدود الذكاء الاصطناعي إلى الأمام من خلال تقديم تقنية "دوبلكس" — وهو مساعد افتراضي قادر على إجراء مكالمات هاتفية واقعية بالنيابة عن المستخدم. وقد حدثت واقعة حقيقية اتصلت فيها امرأة لحجز موعد لدى مصففة شعر، ولم تدرك إطلاقاً أنها كانت تتحدث مع آلة، نظراً للطبيعة الواقعية والمقنعة للمكالمة.

 

التطور السريع

 

لقد شهد الذكاء الاصطناعي تطوراً مذهلاً خلال فترة زمنية قصيرة، بسرعة تفوق أي اختراع تكنولوجي آخر في التاريخ. وتشهد مفاهيم مثل "التعلم العميق" و"البيانات الضخمة" و"علوم البيانات" رواجاً متزايداً على نطاق واسع. وتعمل شركات عملاقة مثل غوغل، فيسبوك، IBM، وأمازون بشكل وثيق مع تقنيات الذكاء الاصطناعي لتطوير أجهزة ومنتجات مبتكرة غير مسبوقة.


عند الحديث عن الذكاء الاصطناعي، نجد أن الآراء تنقسم بشكل واضح. فبينما يبدو أن العديد من الأفراد في الدول الغربية يحملون توقعات إيجابية تجاه هذه التقنية، فإن نظراءهم في بلدان أخرى مثل الدول الإفريقية والآسيوية ينظرون إليها بتحفظ أو حذر أكبر. وتجدر الإشارة إلى أن هذه ملاحظات إحصائية عامة، وقد تختلف الآراء بشكل كبير حتى داخل المجتمعات نفسها.


وغالباً، حين يظهر ابتكار تقني جديد في المشهد الإعلامي، يتوجه العالم إلى الشخصيات الشهيرة والمؤثرة لسماع آرائهم، وكثيراً ماتُعتبر هذه الآراء بمثابة نصوص مقدسة. وقد عبّر عدد من العلماء والمشاهير وقادة التكنولوجيا والسياسة عن مواقف مختلفة تجاه الذكاء الاصطناعي، بين مؤيد متفائل ومتحفظ قلق. ومن أبرز هذه الآراء.

"قد يؤدي تطور الذكاء الاصطناعي الكامل إلى نهاية الجنس البشري... إذ سيتطور ذاتياً، ويعيد تصميم نفسه بوتيرة متسارعة. والبشر، بسبب تطورهم البيولوجي البطيء، لن يكونوا قادرين على المنافسة، وسيتجاوزهم الذكاء الاصطناعي." — ستيفن هوكينغ في حديثه لهيئة الإذاعة البريطانية (BBC)


كان لدى ستيفن هوكينج رأيٌ مُتشائمٌ حول مستقبل الذكاء الاصطناعي. كان يعتقد أنه مع تصدّر الذكاء الاصطناعي المشهد، لن يمرّ وقتٌ طويلٌ قبل أن يصبح الإنسان هو صانعَ زواله. (مصدر الصورة: الغارديان)


"الذكاء الاصطناعي سيكون النسخة النهائية من غوغل. محرك البحث المثالي الذي سيفهم كل شيء على الإنترنت. سيفهم تماماً ما تريده، وسيعطيك الشيء الصحيح. نحن لا نزال بعيدين عن تحقيق ذلك حالياً، ولكن يمكننا الاقتراب منه تدريجياً، وهذا بالضبط ما نعمل عليه." — قال لاري بايج في عام 2000، خلال مقابلة مع أكاديمية الإنجاز.


يعتقد لاري بيج، المؤسس المشارك لشركة جوجل، أن الذكاء الاصطناعي يُمثل خطوةً نحو الكفاءة والتقدم، إذ سيُحسّن دقة الحصول على البيانات والمعلومات لإنجاز المهام وتسهيل العمل بشكل كبير. (مصدر الصورة: Stansfield Pl)


"إن وتيرة التقدم في مجال الذكاء الاصطناعي (لا أقصد الذكاء الاصطناعي الضيق) سريعة جداً بشكل لا يُصدق. ما لم تكن على اتصال مباشر بمجموعات مثل ديب مايند، فلن تتخيل مدى السرعة — فهي تنمو بوتيرة تقارب الأسية. خطر حدوث شيء خطير جداً وارد خلال فترة خمس سنوات. وعشر سنوات كحد أقصى." — إيلون ماسك


إيلون ماسك، المؤسس المشارك لشركات تسلا، سبيس إكس، وإكس، يقتبس كلمات ستيفن هوكينج ويؤكد على ضرورة اتخاذ خطوات احترازية بسبب سرعة تطور الذكاء الاصطناعي. خطأ بسيط في التقدير قد يؤدي إلى نتائج كارثية. (مصدر الصورة: TED)


"لا أريد أن أخيفك حقاً، لكن كان من المقلق عدد الأشخاص الذين تحدثت إليهم، وهم من أصحاب المناصب العليا في مجال الذكاء الاصطناعي، والذين لديهم أماكن لجوء تُعرف باسم 'مخابئ الطوارئ'، يمكنهم الفرار إليها إذا ساءت الأمور فجأة." — جيمس بارات، مؤلف كتاب اختراعنا الأخير: الذكاء الاصطناعي ونهاية العصر البشري، في حديثه لصحيفة واشنطن بوست.


استناداً إلى هذه الاقتباسات، يمكن ملاحظة وجود اتجاه عام يشير إلى أن معظم الأشخاص يتوقعون مستقبلاً سلبياً للذكاء الاصطناعي، باستثناء قلة قليلة منهم. وكما هو الحال مع أي قوة، يجب دائماً وجود نقطة تحكم مركزية تنبع من المصدر. إذا تم تقييد قدرة الذكاء الاصطناعي على اتخاذ قرارات مستقلة، فقد نتمكن من الاستفادة من الجوانب الإيجابية لهذه التكنولوجيا دون القلق من عواقبها السلبية.


مقدمة عن الذكاء الاصطناعي في شرق أفريقيا

تُعد الزراعة واحدة من أكبر الصناعات في أفريقيا، وهي القطاع الرائد في غالبية دول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وتبقى الزراعة العمود الفقري للاقتصاد في القارة الأفريقية. إذ يُقدَّر أن حوالي 23٪ من الناتج المحلي الإجمالي لأفريقيا جنوب الصحراء يأتي من الزراعة، والتي يشكّل فيها صغار المزارعين نحو 60٪. وتُعد هذه الاتجاهات صحيحة أيضاً في منطقة شرق أفريقيا. ففي كينيا، يشارك حوالي 80٪ من المواطنين في أنشطة زراعية لكسب معيشتهم. ويُشكل القطاع الزراعي بأكمله حوالي 43٪ من الناتج المحلي الإجمالي السنوي للمنطقة.


مزارع البن في أوغندا (مصدر الصورة: Country Guide )


بدأ الذكاء الاصطناعي يتسلل ببطء إلى قطاع الزراعة من خلال توفير أدوات تعزز من الإنتاج الزراعي وتخفف من آثار التغير المناخي. وقد بدأت هذه التحولات بالفعل تُحدث تأثيرات ملحوظة داخل القطاع، وتهدف إلى تحقيق نتائج مستدامة وطويلة الأمد على المستويين العملي والتجاري في الزراعة.

 

تتمثل تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي أُدخلت إلى القطاع الزراعي في شرق أفريقيا أساساً في توفير المعلومات، وربط المزارعين بالأسواق، والمساعدة في التعرف على أمراض المحاصيل. على سبيل المثال، منصة UjuziKilimo هي منصة ذكاء اصطناعي تم تطويرها وإطلاقها في كينيا، وتُقدم بيانات زراعية للمزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة. وهناك تطبيقات أخرى تم إدخالها إلى السوق الزراعي الكيني تمكّن هؤلاء المزارعين من الوصول إلى التمويل والمدخلات والأسواق، ومن بينها: AGIN، وTulaa، وApollo Agriculture.

 

منصة ProjectFARM هي مثال آخر على الذكاء الاصطناعي، تم تصميمها لتحليل أنماط نشاطات المزارعين واستخلاص رؤى مبنية على البيانات المجمعة. وكانت النساء من مطوري البرمجيات في طليعة هذه الجهود، مثل نازريني سيراجي من مبالي أوغندا، التي ابتكرت تطبيق "رفيق المزارع" (Farmers Companion App) باستخدام منصة TensorFlow مفتوحة المصدر من قوقل والمصممة للتعلم الآلي، بهدف منع انتشار دودة الحشد الخريفية التي تلحق أضراراً جسيمة بالمحاصيل.

 

لم يسهم الذكاء الاصطناعي في شرق أفريقيا فقط في إحداث تطورات جديدة في القطاع الزراعي، بل ساهم أيضاً في خلق فرص عمل وريادة الأعمال الشاملة للجنسين. وهذا يتعارض مع الفكرة السائدة بأن الذكاء الاصطناعي يسلب فرص العمل بدلاً من خلقها.

 

ورغم هذه التطبيقات التحويلية المحتملة للذكاء الاصطناعي، تُقدَّر نسبة الذين يعتقدون في شرق أفريقيا أن الذكاء الاصطناعي سيساعد الناس في الغالب خلال العشرين سنة القادمة بـ 22٪ فقط (أي واحد من كل خمسة أشخاص). جاء هذا وفقاً لتقرير استطلاع مخاطر العالم 2021 لمؤسسة لويدز ريجستر، الذي تم إجراؤه بالشراكة مع غالوب. وقد شمل الاستطلاع أكثر من 125,000 شخص في 121 دولة حول العالم، وسألهم عن مواقفهم من الذكاء الاصطناعي والبيانات، إلى جانب قضايا أخرى متعلقة بالمخاطر والسلامة.

 

أظهرت منطقة شرق أفريقيا أعلى مستويات عدم الثقة تجاه الذكاء الاصطناعي، حيث أجاب غالبية المشاركين بأن الذكاء الاصطناعي سيؤذي الناس في بلدانهم. من بين دول شرق أفريقيا، سجلت تنزانيا (62%)، وكينيا (57%)، وأوغندا (57%) أعلى نسب من المستجيبين الذين قالوا إن الذكاء الاصطناعي سيضر الناس في الغالب، بينما لم تتجاوز نسبة من قالوا إنه سيفيد الناس 25٪ في أي من هذه البلدان الثلاثة.

 

وأحد الحواجز الرئيسية، بحسب نتائج الاستطلاع، هو مستوى تعرّض الناس للذكاء الاصطناعي. حيث وُجد أن فقط 29٪ من سكان شرق أفريقيا استخدموا الإنترنت خلال الثلاثين يوماً الماضية، وهي نسبة تقل بـ 34 نقطة مئوية عن المتوسط العالمي البالغ 63٪. كما أشار الاستطلاع إلى أن الأشخاص الذين لديهم تعليم ابتدائي أو أقل لا يزالون يشكلون 55٪ من السكان في شرق أفريقيا.


صرّحت الدكتورة سارة كامبرز، مديرة قسم الأدلة والرؤى في مؤسسة لويدز ريجستر، بأنه رغم أن الذكاء الاصطناعي يحمل في طياته إمكانيات كبيرة لتحسين الحالة العامة للبشرية، فإن عدم إشراك العامة أو تضمينهم في هذه الرحلة، وعدم الاستماع إلى مخاوفهم، سيجعل الفوائد الناتجة عن هذه التقنية أقل بكثير من إمكاناتها الحقيقية. وأضافت أنه من الضروري أن تعمل الحكومات وصناع السياسات وجميع الجهات الفاعلة في هذا النظام على التواصل مع السكان، والتعامل مع مخاوفهم، لضمان تحقيق فوائد تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بشكل عادل ومنصف للجميع.


مستقبل الذكاء الاصطناعي في شرق أفريقيا

 

تُصبح تقنيات الذكاء الاصطناعي واقعاً ملموساً في جميع أنحاء شرق أفريقيا، ويُنظر إليها على نطاق واسع باعتبارها التحوّل الرقمي القادم الذي سيُحدث اضطراباً كبيراً في المشهد التكنولوجي. ومن المتوقع أن تظهر تأثيراتها بشكل أساسي في القطاع المالي وكذلك القطاع الحكومي، حيث تُستخدم التكنولوجيا لتحسين كفاءة الحوكمة، ومكافحة الفساد، وخلق المزيد من فرص العمل.

 

ورغم ذلك، فإن الذكاء الاصطناعي كتقنية لا يزال في مراحله الأولى. فأنظمة الذكاء الاصطناعي الحالية لا تزال تفتقر إلى الفهم العميق للتعبيرات الإنسانية، والعواطف، والنبرات، وطرق التفاعل البشري. وعلى الرغم من أن تاريخ أبحاث الذكاء الاصطناعي مليء بالحماس الذي أعقبه فترات من خيبة الأمل، فإننا نعيش حالياً فترة استثنائية من الابتكار التكنولوجي تمتد عبر مختلف الصناعات.

 

من المتوقع أن يكون للذكاء الاصطناعي تأثير كبير من خلال تمكين تقدم أسرع وأعمق على المستوى العملي في كل قطاع تقريبًا تلعب فيه القدرات العقلية البشرية دورًا. ويمكن استخدامه من قِبل الشركات أو المؤسسات لجذب العملاء والتفاعل معهم، وإحداث ثورة في تطوير المنتجات، وتمكين الموظفين. والأمر الأكثر أهمية هو أن الذكاء الاصطناعي سيتم استخدامه لمساعدة المجتمعات الأفريقية في التغلب على بعض التحديات الأكثر صعوبة.

 

كيف سيؤثر مستقبل الذكاء الاصطناعي على فرص العمل؟


هل الوظيفة التي أخشى أن تُستبدل هي وظيفة روتينية؟ قد تشمل هذه الوظائف مثل التعبئة الصناعية، غسل الملابس والأطباق، قطف الفواكه، والرد على مكالمات خدمة العملاء. هذه المهام تكون في الغالب مكررة ومحددة بسيناريوهات ثابتة. إذا كانت الوظيفة كذلك، فالجواب هو نعم. فمعظم الوظائف الروتينية تواجه أعلى مخاطر الاستبدال بالذكاء الاصطناعي في المستقبل.


عاملات شابات في أديس أبابا، إثيوبيا، تعبئن حبوب البن للتصدير. الوظائف الروتينية هي الأكثر عرضة لخطر استبدال روبوتات الذكاء الاصطناعي مستقبلًا. (مصدر الصورة: بانوس/سفين تورفين)


خلال محاضرة في جامعة نورث وسترن، قدّم خبير الذكاء الاصطناعي كاي-فو لي رؤيته حول تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وتأثيرها المرتقب، مع التأكيد على الآثار الجانبية والقيود التي تُرافقها. وعند مناقشة استبدال المهام الوظيفية المتكررة بالروبوتات، عبّر "لي" عن رأي يتماشى مع ما قاله رئيس شركة إنفوسيس، موهيت جوشي، الذي صرّح لصحيفة نيويورك تايمز بأن المستثمرين الصناعيين يسعون الآن لتحقيق أرقام أعلى بكثير في الإنتاجية. فبينما كانت أهدافهم سابقاً هي تقليل القوى العاملة بنسبة تتراوح بين 5 إلى 10٪، فإنهم الآن يطمحون إلى تقليصها إلى 1٪ فقط من الأيدي العاملة.

 

لكن هناك جانب مشرق في نهاية المشهد. أكّد "لي" أن الذكاء الاصطناعي الحالي لا يزال عديم الجدوى في جانبين مهمين: فهو يفتقر إلى الإبداع والتعاطف الإنساني. إنه مجرد أداة لتضخيم الإبداع البشري. أما الحل الذي يقترحه، فهو أن على الأفراد الذين يشغلون وظائف متكررة أو روتينية أن يتعلموا مهارات جديدة حتى لا يُهمَّشوا أو يُستبعدوا من سوق العمل. كما شدّد على ضرورة زيادة الاستثمار في التعليم وإعادة تدريب الموظفين، لتمكينهم من اكتساب مهارات فريدة وغير قابلة للتقليد، تتجاوز أي تقدم تكنولوجي قريب أو مستقبلي.


إن التدريب في مكان العمل من شأنه أن يخلق الثقة في الاحتفاظ بالوظائف والفرص ويقلل من التشاؤم مع اقتراب عصر الذكاء الاصطناعي. (مصدر الصورة: جوناثان كالان)


خاتمة


الذكاء الاصطناعي هو ابتكار ثوري يحمل القدرة على تحسين جميع قطاعات النظم الاجتماعية والاقتصادية في أفريقيا. ومع ذلك، من أجل الاستفادة الكاملة من الفوائد المحتملة لهذا الاكتشاف، علينا أن نركّز على الجوانب الإيجابية.

وهذا يتطلب توحيد الجهود في اكتساب المعرفة بين الأقسام العلمية المختلفة، بحيث تعمل جنباً إلى جنب مع الهيئات الحكومية لإبقاء المجتمعات على اطلاع بكل التغييرات والتطورات الجارية. ستُسهم الندوات التعليمية، والمنصات الإعلامية المعززة في تخفيف مخاوف الناس، وتمكينهم من احتضان هذه التحولات الجديدة بالمحبة بدلاً من الخوف.

 

كما ينبغي على القطاع التعليمي، من المراحل الدنيا وحتى الجامعات، أن يُدرج تدريجياً دراسات التكنولوجيا، مع تركيز خاص على تطور الذكاء الاصطناعي والروبوتات. فإن تأهيل مطورين ومهنيين تقنيين أكفاء لن يؤدي فقط إلى خلق فرص عمل جديدة، بل سيساهم أيضاً في النمو العام والتقدم العلمي والتكنولوجي في البلاد.

 

وأخيراً، فإن بناء مهارات غير قابلة للتقليد لدى العمال والطلاب، سيوفر لهم الضمان والاستقرار المهني، سواء في وظائفهم الحالية أو في المستقبل. بمرور الوقت، ستتلاشى مخاوف التغيير تدريجيًا، وسنفتح بفخر وهدوء الفصل التطوري التالي في مسيرة البشرية، محمّلين بالأمل واليقين بأن ما هو قادم سيكون أفضل.


كيلفن إنوسنت مسيكا

كيلفن صانع محتوى مقيم في دار السلام بتنزانيا وقد بدأ شغفه بالكتابة في سن مبكرة. عمل سابقًا كطاهٍ قبل أن يغامر في مجال العقارات. يستمتع كيلفن بإنشاء محتوى خاص بالسفر ونمط الحياة بالإضافة إلى نصائح حول علم النفس على قناته على اليوتيوب.