هذا المقال متوفر أيضاُ باللغة English

نادي القراءة 

قبل أربع سنوات كنت في نادي للقراءة لنناقش كتاب "فيرونيكا تقرر ان تموت" للكاتب باولو كايلو. يحكي الكتاب عن فتاة في الرابعة والعشرين من العمر والتي تحاول الانتحار ولكنها تفشل في ذلك ويتم ارسالها الى مركز لإعادة التأهيل. ان القصة مستلهمة او مبنية على بعض الوقائع التي عاشها الكاتب وذلك عندما ارسله والداه الى مصحة نفسية لأنه يريد ان يصبح كاتبا عوضا عن ان يصبح طبيبا او محاميا.

انا انسانة أحب ان اقرا لوحدي في معظم الأوقات. عادة لا أشارك في نوادي القراءة ومناقشات الكتب. ان تعرف كيف ان أناس مختلفين قد تفاعلوا مع الكتاب بطرق مختلفة هو امر بالضرورة مهم وان من الممتع ان تكتشف زوايا جديدة لم تعرها اهتماما وانت تقرا ولكنني عادة ما افعل ذلك على موقع goodreads . في يوم ما قلت لنفسي سأجرب واناقش الكتاب مع أناس حقيقيين موجودين على الطبيعة واخرج من منطقة راحتي وحدث ان الكتاب الذي يناقشونه كنت قد قراته قبل عام من ذلك التاريخ. اردت ان اقراه من جديد كي استرجع مشاعري وتفاعلي الأول مع الكتاب ولكن الوقت كان ضيقا جدا. ذهبت وانا لم احضر شيئا. كان الحاضرون قد قرأوا الكتاب قبل بضعة أيام من مناقشته وقد حضروا ما سيقولونه وحللوا بعض الاحداث وعلقوا على بعضها. كنت فقط استمع الى ان جاء الدور على احدى القارئات لتدلي بتعليقها وقراءاتها للكتاب. قالت بان فيرونيكا شخصية ضعيفة وانهزامية لأنها طلبت المساعدة وانتهى بها المطاف الى مصحة نفسية، عوضا عن ذلك يتوقع من الشخص القوي ان يعالج نفسه بنفسه والا يطلب المساعدة من الاخرين.

حينها تحدثت واخبرت تلك الفتاة بان أي تحرك بسيط لمعالجة اضطرابات نفسية وعاطفية يتطلب شجاعة وجراءة كبيرتين وانا احترم شخصا كفيرونيكا لكونها فكرت وتصرفت بتلك الطريقة. لم أزد شيئا على ذلك التعليق وعدت الى المنزل بعد ان فرغنا من مناقشة الكتاب ولكن تعليق الفتاة أزعجني جدا. إنه لمن الغريب جدا ان لا أحد من الحاضرين قد اعترض على تعليق تلك الفتاة، وهذا في الحقيقة يعكس كيف يفكر معظمنا في الصحة النفسية وطلب المساعدة من الاخرين.

الصديقة غير الداعمة 

قبل أربع سنوات من الان كنت اعرف بأنني لست على ما يرام ولكنني وقتها لم اعرف ما الذي يحدث معي بالضبط. هل كان توترا عارضا مما يحدث كل يوم. هل هو توتر مزمن ام اكتئاب ام هو امر سيؤدي الى الاكتئاب على المدى البعيد. هل اختل توازن المواد الكيميائية في دماغي او ربما هي فقط بضع مشاعر خام تريد ان تنتقم مني. ما الذي يحدث معي بحق الجحيم؟ في ذات الوقت كنت اقرا عن التوتر المزمن وكيف انه يغير حجم وتركيب الدماغ وطريقة عمله. وعليه كان من المستحيل ان اجلس صامتة والا افعل شيئا حيال ذلك الامر.

اردت إجابة لما يحدث لي ولذلك كان لابد ان يتم تقييم حالتي وعليه كان لابد ان ابحث عن مساعدة من شخص مختص. ترددت قليلا في ان افاتح اسرتي بهذا الصدد وكنت محتارة بين أمور عديدة هل على ان اذهب الى الطبيب ام المعالج النفسي ام المرشد النفسي. هل هنالك فرق بينهم ام انها مصطلحات يمكن تبادلها وحتى ان وجدت تلك الفروقات هل هنالك فروقات فعلية في أدوار الطبيب والمعالج والمرشد النفسي في السودان وكيف لي ان افحص نفسي.

رغما عن حيرتي وفي ذلك اليوم الذي كنت موقنة فيه برغبتي بزيارة مختص في الصحة النفسية والعقلية اتصلت على احدى صديقاتي وطلبت منها ان تقلني بسيارتها الى عيادة للأمراض النفسية كنت قد سمعت عنها تقبع في الحلة الجديدة في الخرطوم. لم أكن متأكدة أي مركبة عامة استخدم وفي أي محطة سأتوقف كانت صديقتي المقربة وهي تمتلك سيارة خاصة بها وتعرف الشوارع والطرق في الخرطوم. ولذلك حينما افصحت عن نوايا ادهشتني ردة فعلها، قالت لي "فيم سيفكر الناس عندما يشاهدونك تدخلين وتخرجين من تلك العيادة ماذا سيقولون عنا ونحن ذاهبتان معاً؟" بدلا من ان أجد اذنا صاغية تتوق لان تفهم ما الذي يحدث معي اصابتني الدهشة بان أحدا يهتم بالنظرة المجتمعية وما سيقوله الغرباء.

لقد صدمت وقلت لنفسي بأنني لن اعتمد على أي شخص مرة ثانية، وسأفعل هذا الامر كله وحدي. كنت قد قررت ان أجد طريقا وانني لا احتاج الى سيارة. لمن تعد تلك الفتاة صديقتي.

undefined

Source: https://htv.com.pk/   

انعدام التوجيه 

مرت الأيام بعد تلك الحادثة مع صديقتي السابقة. كنت امشي في الطريق عائدة الى المنزل حينما لاحظت لافتة على الشارع كتب عليها اسم الطبيب النفسي و مؤهلاته العلمية. لقد ترددت ولكني تشجعت ودخلت الى العيادة واخذت موعدا ودفعت رسوم التسجيل وانتظرت ان يأتي موعدي. كانت تجربة مخيفة ولكن قلقي على نفسي هو ما دفعني الى ان افعل ذلك.

عندما حان موعدي بدا الطبيب بطرح الأسئلة على مثلا لماذا تعتقدين بانك حزينة ورددت ببساطة لا اعلم ولذلك انا هنا الان. شرع الطبيب في القاء العديد من الأسئلة مثلا هل لديك حبيب او صديق؟. هل كسر أحدهم قلبك ؟هل فقدتي وظيفتك ؟ما هي هواياتك ؟هل هنالك أي شيء اخر تودين اخباري به؟ وكان ذلك كل ما في الامر، لا اذكر انه سألني أكثر من ذلك. اعتقد ان المقابلة لم تأخذ أكثر من 30 دقيقة واظن انها اقل من ذلك بل انها كانت فترة قصيرة مزعجة. بعدها ختم الطبيب المقابلة وأخبرني بأنني مصابة بالاكتئاب وانه على ان اتناول بعض الادوية وانني احتاج مقابلة أخرى بعد اسبوع مع مساعدته وبعد أسبوعين معه مجددا لكي نعلم ان كانت العقاقير قد أدت مفعولها.

اشتريت الادوية وذهبت الى مساعدته بعد أسبوع و لم تكن المقابلة بتلك الفائدة. لقد كررت نفس الأسئلة التي طرحها الطبيب وفقط طلبت مني ان اكتب عن عدد من النواحي الإيجابية والسلبية في حياتي كواجب للمقابلة القادمة. لقد كانت كل التجربة غريبة وغير مرضية الى حد كبير. لقد تأثرت كثيرا من الناحية المادية بسبب تكلفة المرتفعة للأدوية ولأنني وقتها لم أكن قد عملت بعد ولم أكن اشعر بأنني اريد المواصلة مع هؤلاء الأشخاص.

جلست وفكرت كيف ان الطبيب قد شخص مرضا معقدا ومتعدد الاشكال بتلك الطريقة البسيطة ومن غير جهد جهيد. شككت في أني وضعت توقعات عالية في ذلك المكان. لقد قارنت مقابلتي مع تلك المقابلات التي نشاهدها في الأفلام حينما يجلس الطبيب النفسي وهو يستمع بإصغاء الى شكوى المريض الذي يجلس على أريكة مريحة، ويسال أسئلة عميقة تجعل المريض يفصح عما بداخله. علمت وقتها باني قد اخترت ذلك الطبيب عشوائيا. رغماً عن ذلك حاولت أن أبحث عن منصة او دليل بأسماء الأطباء النفسيين السودانيين وعناوينهم وتوصيات من المرضى ولكن البحث كان عديم الجدوى. ربما مررت على تغريدة على تويتر بها اقتراحات لأطباء ولكن عندما تنسى ان تعلق التغريدة فانه يصعب استرجاعها ثانية. ان الامر الوحيد الذي أسعدني انني كانت لدي لائحة بالمهام التي ينبغي القيام بها وإحدى مكوناتها ان أزور طبيبا نفسيا وقد فعلتها. لم تكن تجربة مرضية كما رغبت ان تكون ولكني خضتها على أي حال. ربما ان كان هناك دليل بأسماء الأطباء السودانيين على الانترنت لكنت قد ذهبت الى أفضلهم وكنت قد استفدت أكثر من ذلك. و كان سيكون رائع ان اعلم أيضاً متى اطلب المساعدة وكيف افرق بين احتياجي الى طبيب ام معالج نفسي.

الخوارزميات موجودة لتساعدنا

تكشف تقنيات الذكاء الاصطناعي عن حالات الاكتئاب. المكتئبين الذين يستخدمون الانترنت والذين لديهم نزعات انتحارية أحيانا ينشرون بعض مشاعرهم وذلك بكلا الطريقتين اسهابا وايجازا. وعليه أجريت العديد من الأبحاث يتعاون فيها علماء الحاسوب مع علماء الاعصاب والادراك وذلك لمتابعة الافراد وسلوكياتهم والعلامات المرضية التي تبدو عليهم.

خاتمة

أحيانا كوب الشكولاتة الدافئة مع الموسيقى والكتب لا يصنعوا سحرهم المعتاد. وأسئلة الاختبارات المتاحة على الانترنت لا يمكنها تشخصيكم و طلب المساعدة يعتبر وصمة عار . ربما يسخر منكم اصدقائكم عندما تذكرون كلمة اكتئاب ولكم ان تضعوا ثقتكم وتتحدثوا الى طبيب و قد يكون امر مريع. في النهاية المعرفة الذاتية مهمة للغاية و في تقديري
ان نتعلم كيف نحييها، فهي مهارة ينبغي ان نكتسبها ونتعلمها. ان اهمالنا لأنفسنا والابتعاد عن مواجهتها سيؤدي في النهاية الى ايذائنا وجرحنا.

ان هذه التجربة ككل لم تكن سلبية ومخيبة للآمال. ان التهرب من الامر سيؤدي بكم الى اماكن غير متوقعة وأناس غير متوقعين. الحيرة تدفعكم الى المزيد من القراءة والتعلم. نحن في رحلة نتطور وتم إعادة تشكيلنا وكما تغنت فرقة كولدبلاي:

"تحت هذا الضغط،

تحت هذه الاوزان،

نحن نتشكل كالماس"

ان كنتم تجدون حل هذه المعضلات صعبا اطلبوا المساعدة. لا يشارك الناس احاسيسهم السلبية عادة ولذلك نحن نشعر بالوحدة وعدم الطمأنينة. ولكن تذكروا أمراً واحداً، انكم لستم وحدكم في هذه المعضلة.


تقوى وراق

تقوى وراق درست علوم الكمبيوتر وتكنولوجيا المعلومات في جامعة السودان. تهتم بالكتب والذكاء الاصطناعي وأحيانًا الأمان والفن (وتحديداً الرسوم المتحركة) واللغة الألمانية