هذا المقال متوفر أيضاُ باللغة English

في طفولتي كنت استيقظ كل صباح أنا وإخوتي وكنا نمشي مسافة خمسة كيلومترات على الأقل كي نصل إلى المدرسة. كل الأطفال في قريتي ممن هم في عمر المدرسة واقتدروا على تكاليف الدراسة ذهبوا إلى نفس المدارس تقريبًا. شكلنا مجتمعًا، فكنا نلعب ونجلب الماء وحطب الوقود سوية. كان أهلنا يعرفون بعضهم البعض وكانوا يقضون المساء سويةً. على عكس اليوم كنا قليلًا ما نؤدي الواجبات المدرسية وذلك لأن بعضنا لا يستطيع شراء الكيروسين لإضاءة المصابيح التي تستخدم في إنارة المنزل. كانت أحوال بعض المنازل أسوء حيث كان البعض دائمًا ما يتناولون العشاء تحت ضوء القمر إذ كانوا لا يملكون المال لشراء الوقود للإنارة. لكننا ذهبنا إلى المدرسة و درسنا ذات المناهج والسلم التعليمي وجلسنا لنفس الامتحانات التي يجلسها الطلاب في المدن والحضر، حيث تتوفر لهم الكهرباء والوقت للراحة والواجبات المنزلية بشكل يومي تقريبًا. نجحنا وفي بعض الأحيان حصلنا على نتائج أفضل منهم.

كانت الحياة قاسية، كنا نخرج من المدرسة ونذهب مباشرة إلى البئر لجلب الماء وكان ذلك يستغرق ساعة أو ساعتين على الأقل. ومن ثم نعود إلى المنزل للمساعدة في الطبخ وغسيل الأواني والأعمال المنزلية الأخرى. لم تكن لدينا رفاهية المدبرة المنزلية. كنا بالكاد نتحصل على الكتب وندرسها قبل أسبوع أو أيام قليلة من الامتحان ومع ذلك نجحنا بالمعدلات التي حصّلناها.

 

undefined

أطفال في طريق عودتهم من البئر. الصورة بواسطة هومانيم

 ما الذي تغير؟ لا شيء؟

تأكدت مخاوفي بأن الأمور أبعد ما تكون عن التحسن إذ تواصلت مع المدبرة المنزلية التي تساعد أمي وهي لديها طفلة تدرس في الصف الخامس من المرحلة الابتدائية. تدرس طفلتها في نفس المدرسة التي درست فيها. بينما حدثت تغيرات في الطاقم العامل في المدرسة لازال بعض الأساتذة ممن علموني أنا وإخوتي في المدرسة. لم يتحصلوا على دورات تدريبية، فهم يدرسون بنفس الطريقة وبنفس المواد التعليمية ومعظمهم غير منفتحين على تعلم طرق جديدة. أخبرتني مدبرة المنزل بأن ابنتها قعدت في المنزل منذ بداية الإغلاق التام وإغلاق المدارس وأصبحت تساعد في أعمال المنزل كما يفعل الأطفال في العطلات. لم يُعط الأطفال في مدرستها أي واجبات منزلية لتمكنهم من ملئ أوقاتهم وتذكرهم بالمدرسة خلال هذه العطلة الإجبارية. عندما يعودوا إلى المدرسة سيتوجب عليهم البدء من حيث انتهوا.

بالرغم من ذلك فإن الوضع في مدينة كمبالا ليس كذلك. لقد أصدرت وزارة التعليم مواد تعليمية لمختلف الصفوف الدراسية وقامت بتوزيعها عبر مختلف المنصات مثل الفيسبوك والواتساب. يفترض أن تساعد هذه المواد الوالدين في تدريس أبناءهم. أيضًا تقوم الوزارة بتقديم الدروس عبر محطات التلفزيون والراديو لمساعدة الطلاب والتلاميذ كي يحافظوا على جو المذاكرة حتى لا ينسوا المدرسة. في البداية أعلنت وزيرة التعليم -وهي أيضًا السيدة الأولى-جانيت كاتناها موسفني بأن الفترة الدراسية الأولى التي انقطعت بسبب الإغلاق الناتج عن كوفيد-19 سيتم استئنافه في السابع والعشرين من أبريل لعام 2020م. ولكن ما كان ذلك ليحدث إذ أعلن الرئيس عن زيادة فترة الإغلاق لمدة واحد وعشرين يومًا إضافيًا ثم أضاف إليها مجدداً مع تفاقم أزمة الجائحة. بقي الأطفال لمدة أكثر من شهرين في المنزل، مما يعني وجوب تغيير الاستراتيجية. بعدها عقدت الوزيرة خطابًا تلفزيونيًا ونصحت فيه الآباء والأمهات بعدم الاعتماد فقط على المدرسة والواجبات الصيفية. ووجهتهم للاستفادة من الوقت في تعليم الأطفال أي شيء لا يعلمونه خارج نطاق الصف. على سبيل المثال يولد العديد من الأطفال في مدينة كمبالا ولا يتعلمون لغاتهم الأصلية وينتهي بهم المطاف باستخدام اللغة الإنجليزية. نصحت الوزيرة الوالدين بالاستفادة من الوقت في تعليم أطفالهم لغتهم الأم. أيضًا نصحت الوالدين بتعليم أبناءهم بعض المهارات اليدوية كالطبخ والبستنة وغيرها من الأعمال اليدوية.

 

undefined

وزيرة التعليم وهي أيضًا السيدة الأولى جانيت موسفني. الصورة بواسطة أوغندا واير

بينما يبدو ذلك الأمر صعبًا على الأبوين في المدينة فإنه ليس كذلك في الريف. في الحقيقة يحاول أطفال الريف التحدث بالإنجليزية وذلك لأنهم يعرفون لغاتهم الأم مسبقًا، فيبدو تعلم الإنجليزية أمًرا صعبًا إذ يكون معظم آباءهم غير متعلمين. يستفيد الوالدان في الريف إذ يقوم الطفل في عمر الخامسة بالاستحمام بنفسه وجلب الماء وأحيانًا تحضير الطعام. يختلف هذا الأمر تمامًا في المدينة إذ يقوم الوالدين أو المدبرة المنزلية بهذه المهام. كل ما يقوم به الأطفال هو مشاهدة الرسوم المتحركة أو اللعب مع الأصدقاء أو القيام بالواجبات المنزلية في العطلة والنوم. لذلك بينما يقضي الأطفال في المراكز الحضرية الصباح والعصر والمساء من كل يوم في التلفاز أو على هواتف والديهم الذكية يتعلمون ويدرسون، يكون أطفال القرى مشغولون بالحفر وجلب الماء وحطب الوقود والمساعدة في استحمام إخوتهم الأصغر وطهي الطعام. كيف يمكننا سد هذه الفجوة ومن المسؤول عن ذلك؟

إذا كان فيروس كورونا قد قام بشيء فإنه قام بتعرية الثغرات في النظام التعليمي وهي ثغرات كثيرًا ما اشتكى منها المختصون لسنوات عديدة. إنني أتحدث هنا تحديدًا عن عدم قدرة التلاميذ والطلاب في المناطق الريفية على الحصول على المواد التعليمية التي يتحصل عليها أقرانهم في المراكز الحضرية. بينما يدرس العديد من أطفال الريف في مدارس حكومية يدرس معظم أطفال المدن في مدارس خاصة وهي بدورها تكلف أموالًا باهظة تمكنهم من امتلاك أنواع مختلفة من المواد التعليمية كالكتب والمقررات. إن ابنة مدبرة المنزل لازلت تدرس من نفس الكتاب الذي درست منه قبل أكثر من عشرين عام. فُقدت العديد من الصفحات ولكن يجب عليها الإجابة على كافة الأسئلة المتعلقة بالمقررات.

هذه ليست البداية حيث ظلت هذه الثغرة موجودة منذ أكثر من 30 عام ولكن لا أحد يكترث لهذا الأمر. حتى وبعد الإغلاق التام الذي حدث بسبب جائحة كورونا، لم تحرك الحكومة ساكنًا لحلها. بعد أن يُرفع الإغلاق التام سيتوجب على الطلاب في الصفوف النهائية التسجيل للجلوس للامتحانات النهائية التي يعقدها المجلس الأوغندي القومي للامتحانات. لن يكون هناك أي استثناء لأطفال القرى الذين لم يحظوا بفرصة للدراسة خلال الإغلاق التام. عندما تعلن النتائج ويفشل هؤلاء، ستقرأ الوزيرة أسماء مناطقهم وسيتم الحاق العار بهم بسبب تدني أدائهم. ولكن إذا أتيحت لهم نفس الظروف المتوفرة لأطفال المدن هل يمكنهم الأداء بشكل أفضل؟

 

undefined

طلاب في احدى المدارس بمدينة كمبالا في درس عن الكومبيوتر. الصورة بواسطة مدارس فيكتوريز

تستمر الفجوة

في الثامن عشر من مارس أُرسل خمسة عشر مليون طالب وطالبة إلى المنزل. ينتمي هؤلاء الطلاب إلى مراحل دراسية مختلفة من رياض الأطفال والابتدائية والثانوية إضافة إلى الجامعات ومؤسسات التعليم العالي. معظم أطفال القرى قليلو الحظ إذ أن والديهم غير متعلمون. في العديد من الأحيان يعاني الطلاب كي يجاوبوا على الأسئلة من دون مساعدة ذويهم. إذًا فما الذي يحدث عندما لا يعرف الطفل الجواب؟ كيف يمكن للأساتذة مساعدتهم عندما يكون الأطفال في العطلة في المنزل؟

وفقًا لمنظمة هاي ساوند للأطفال-وهي منظمة محلية غير حكومية -فإن ثلاًثا وثمانين بالمئة من الأوغنديين لا يملكون تلفزيون وإن سبعًا وخمسين بالمئة من المنازل في البلاد فقط متصلة بالشبكة القومية للطاقة. لا يمكن للأطفال في الريف والمناطق العشوائية الاستفادة من الدروس المتلفزة حيث تصل نسبة التلفزيون المشترك أو المملوك للعامة إلى سبعة بالمئة وهو عُرف في تلك المجتمعات. لا يمكن لهؤلاء الأطفال الاستفادة وذلك لأن مشاهدة التلفاز بشكل جماعي سيتعارض مع قوانين الحكومة التي صدرت للحد من انتشار كوفيد-19 وهي تقتضي بالتباعد الاجتماعي. بعد أن أعلنت الحكومة إغلاق المدارس في العشرين من مارس سرعان ما توجهت العديد من المحطات التلفزيونية المحلية ببث الدروس واعتمدت على معلمين من مدارس مختلفة لتقديمها.

قامت وزارة التعليم بالتعاون مع إحدى الصحف اليومية (The New Vision) بطبع وتوزيع مواد مدرسية لكافة الصفوف الدراسية. وُزعت هذه المواد لمعتمدي المقاطعات. بدأ التوزيع منذ يوم الثلاثين من أبريل بواسطة السكرتير الدائم لوزارة التعليم اليكس كاكووزا. جاءت الخطة بأن يتم التوزيع من الباب إلى الباب حتى لا يترك أي طالب إلا وقد وصلته المواد، خاصة أطفال القرى. أيضًا قامت الصحيفة بنشر هذه المواد على الموقع الإلكتروني للصحيفة كي يسمح للأهالي الذين يرغبون في الوصول إلى تلك المواد عبر هواتفهم الذكية وحواسيبهم. ولكن هل تكفي هذه الجهود؟

بالتواصل مع قريتي جاءتني الأخبار تنفي وصول أي من تلك المواد الدراسية. كان توزيع هذه المواد ضمن الخطة الإعدادية والاستجابة لاستمرارية التعليم خلال الإغلاق التام للبلاد. أعدت وزيرة التعليم وهي أيضًا السيدة الأولى هذه الخطة وقالت بأن الطلاب سيواصلون تعليمهم عبر التيلفزيون والراديو. تم تعيين قائمة من ثمانية وثلاثين محطة إذاعية وبعض المحطات التلفزيونية بعد تحديد مواعيد البث. بالرغم من ذلك فإن التحدي لازال قائمًا إذ أنه بينما يستطيع الأطفال في الريف الوصول إلى محطات الراديو فهم لا يجدون الوقت للجلوس والتعلم خلال النهار حيث يقومون بمساعدة والديهم في الزراعة أو في المطبخ لتحضير الغداء.

أخبرني اليكس كاكووزا السكرتير الدائم لوزارة التعليم في مكالمة هاتفية بأنهم قد طبعوا مواد تعليمية "جيدة جدًا" وهي للمراجعة ولتملأ على الأطفال وقت فراغهم إلى حين أن يصدر الرئيس أمرًا بإعادة فتح المدارس والمؤسسات التعلمية. يضيف اليكس "لقد طبعنا مواد للمراجعة ربما لا تكون كافية ولكن السلطات المحلية في المقاطعات تقوم بإعادة طباعتها. سيتم توزيعها من الباب إلى الباب. إن المواد جيدة جدا لأنها تصدر عن المركز القومي لتطوير المناهج والمجلس الأوغندي القومي للامتحانات". سألته عن خطط الوزارة فيما يخص طلاب الجامعات وقال بأنه ينبغي عليهم التركيز على الدورات الخاصة بهم وعليهم الاستعداد للعودة إلى الدراسة بعد أن يعلن الرئيس إعادة افتتاح الجامعات. أضاف "توفر الجامعات الخطوط العريضة للخطة الدراسية في بداية كل فصل دراسي. لذلك ينبغي عليهم مذاكرة المواد التي توفرها لهم جامعاتهم. ينبغي عليهم أيضاً أن يحاولوا دراسة المواد المتعلقة بمقرراتهم الدراسية من على الإنترنت".

التحدي العالمي

وفقًا للمنتدى الاقتصادي العالمي فإن فيروس كورونا تسبب في وجود مليار ونصف طفل وطفلة خارج المدرسة. لقد تأثرت صحتهم وتطورهم وتعلمهم وسلوكهم والأمان الاقتصادي لعائلاتهم وحمايتهم من العنف والاستغلال. يُتوقع بأن تكون الصحة النفسية للأطفال هي الأكثر تأثرًا. يشير المنتدى الاقتصادي العالمي بأن الأطفال الصغار في خطر أكبر حيث يؤثر التوتر الشديد والعزلة على تطور أدمغتهم وقد تؤدي أحيانًا إلى عواقب بعيدة المدى لا يمكن إصلاحها. أيضا يواجه العديد من الأطفال والشباب مشاكل ويتعاملون مع الانفصال الأسرى والعناية بالأقارب المرضى وحتى موت وفقدان الأحبة. تتأثر الفتيات بشكل خاص حيث تؤدي تدابير احتواء كوفيد-19 إلى زيادة العنف المبني على النوع وحمل القاصرات وحتى زواج الطفلات. يأتي كل ذلك إضافة إلى زيادة المسؤوليات في المنزل ورعاية الأقارب. ربما لن يحصل الأطفال المهاجرين والنازحين وأسرهم على معلومات أساسية باللغة التي يفهمونها مما يسبب لهم القلق والتوتر الشديد. يبدو بأن الأطفال في مخيمات النزوح الداخلي يعانون ويمرون بأصعب لحظات حياتهم. في الحقيقة هم لا يحظون برفاهية امتلاك تلفزيونات و أجهزة راديو خاصة بهم وذلك يجعل الحياة أكثر صعوبة. إذ دائمًا ما يجتمعون لمشاهدة التلفاز وسماع الراديو، ولكن الوضع الراهن يقتضي التباعد الاجتماعي. أيضًا تأتي الأيام والليالي المطيرة في غير صالحهم.

 

undefined

أطفال في أحد مخيمات اللجوء في أوغندا. الصورة بواسطة بي بي أس

قال الرئيس يوري موسفني في خطابه في يوم الاثنين الرابع من مايو بأنه يرتاح لوجود أحفاده بالمنزل عوضًا عن إرسالهم إلى المدارس خلال هذا الجائحة وارتكاب خطأ يمكن أن يؤدي إلى وفاتهم. أيضًا قال بأنه من الممكن أن يبقى الأطفال في المنزل لعام كامل وذلك حفاظًا على سلامتهم. جعلت هذه التصريحات الكثير من الطلاب وذويهم قلقين بأن المدارس ستظل مغلقة لمدة عام كامل مما يعني التأخير خاصة لطلاب السنوات النهائية. بالإضافة إلى ذلك فان الأهالي قلقين بشأن رسوم المدارس للفصل الدراسي الثاني إذ فقد العديد منهم وظائفهم خلال الإغلاق. كما أُجبر العديد منهم على صرف جميع مدخراتهم لإطعام أسرهم ودفع الفواتير خلال فترة الإغلاق والذي بدأ في أوغندا منذ أوائل شهر أبريل. على سبيل المثال فإنني قد دفعت الرسوم الدراسية لابنتي للفصل الدراسي الأول الذي لم تستفد منه شيئًا تقريبًا إذا أن الدراسة كانت قد بدت للتو عندما تم إرسالها إلى المنزل لأجل غير مسمى. لازال الأمر غير واضح حول إمكانية إمهال الوالدين فترة من الزمن كي يوفروا مصاريف الدراسة للفصل القادم.

بالرغم من كل هذه المجهودات الحكومية التي تقدمها وزارة التعليم أثناء الإغلاق الناتج عن فيروس كورونا، سيصعب على للأطفال في المدارس الريفية المنافسة بشكل عادل مع طلاب الحضر خلال الامتحانات النهائية التي يعقدها المجلس الأوغندي القومي للامتحانات. في 19 مايو ، قال الرئيس إن فصول المرشحين للإمتحانات المرحلية والجامعات ستستأنف في 4 يونيو لكن الباقي سيبقى مغلقًا ستكون فجوة الأشهر واضحة بين المدارس الحضرية والريفية. إن الفجوة بين الطرفين أكبر من أن يتم سدها.

اقرأوا بيان من منظمة هاي ساوند للأطفال عن الفجوة في التعليم بين الطلاب في المدينة والريف.
 


سارة بريومومايشو

سارة صحفية أوغندية و تسجيل صوت و مديرة إعلام اجتماعي، كما تعد من المدونات المؤثرات. عملت سارة مع 4 محطات إذاعية رئيسية كمحررة و مذيعة أخبار إنجليزية لمدة 8 سنوات. وهي حالياً مراسلة ومحررة أخبار في هوت شوت للإعلام والإنتاج في كمبالا. هي حاليا أيضا المدير الإداري لأندريا في أوغندا.