الإستفادة من تويتر لم تعد حصرية على بحوث التسويق والحشد للاحتجاجات المطالبة بالعدالة، أو الترويج للمنتجات والخدمات. فقد حاولت تخصصات مثل علم النفس وعلم الاجتماع والرعاية الصحية الاستفادة من المنصة، ويمكن أن يكون هنالك إستخدامات عديدة أخرى لبيانات تويتر لا يستخدمها أحد حالياً.
بالحديث عن علم النفس، تويتر يمكن أن يُنظر إليه على أنه أحد قواعد البيانات الواقعية العملاقة للصحة النفسية التي تعمل على تحديث نفسها بإستمرار. الناس يميلون إلى تسجيل مشاعرهم المباشرة عبر الإنترنت، حيث عدم الكشف عن الهوية على الانترنت و على شبكات التواصل الإجتماعي يمكن أن تكون دافعاً يشجع الكثير من المستخدمين على التعبير الصادق. هناك جدل حول ما إذا كانت شخصياتنا عبر الإنترنت هي شخصياتنا الحقيقية، وعما إذا كنا نعكس حقيقة ذواتنا وراء الأقنعة (الشاشات) أم لا. يعتمد ذلك مبدئياً على كيفية إستخدام الناس للأداة التي في متناول اليد، وما ينوون الخروج به منها، والسياق الذي يستخدمونها فيه. و هذا إن دل فإنما يدل على نقطتين مهمتين: 1) مدى قوة وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي 2) كيف أن حجم البيانات المتاحة سواء كانت مناقشات، منشورات أو تغريدات غني جدا.
عندما يتعلق الأمر بالبيانات وكيفية الإستفادة منها، فإن تويتر يتفوق على فيسبوك في أن بيانات تويتر مجانية ومتوفرة ويمكن أن يتم استخراجها بإستخدام بعض لغات البرمجة بسيطة أو الترميز، في حين أن ذلك مقيد ومحدود جداً في فيسبوك. في هذه الحالة، نحن لا نتحدث عن جمع البيانات التي تقوم على البحث اليدوي (الذي يتم عبر كتابة الكلمات الرئيسية على شريط البحث)، ولكن بحث أكثر تطورا حيث عناصر مثل الوقت والمفردات المستخدمة والموقع الجغرافي وجنس المستخدم وغيرها يتم أعتبارها. ويمكن بناء الخوارزميات أو النماذج على البيانات المتاحة التي تم استخراجها بهذه الطريقة، ويمكن لتلك النماذج أن تساعد في الكشف عن الأنماط الخفية أو حتى التنبؤ بالنشاطات المستقبلية. يمكنك إذن التأمل في أنواع الاحتمالات والأهداف العظيمة التي يمكنك تحقيقها مع مثل هذا الجمع بين المجالات.
وبما أننا نتحدث عن علم النفس هنا، فإن تحليل بيانات تويتر في سياق نفسي يمكن أن يجيب على العديد من الأسئلة مثل: ما حجم الميول الاكتئابي في بلد معين (أو مستخدمي هذا البلد)؟ أو لماذا نجد إنفصاما في الشخصية في بلد أكثر من آخر؟ (نعم، يمكنك طرح أي سؤال في التحليلات)، أو خلال أي وقت من السنة يصبح المغردون أكثر سلبية في لغتهم على الإنترنت؟ ما هي نسبة المستخدمين الذكور إلى الإناث الذين يبدون الأكثر تشاؤماً؟ هل يوجد نمط موسمي؟
في ورقة نُشرت من خلال التعاون بين جامعة بكين وجامعة التكنولوجيا بسيدني، عمل باحثو علم الكمبيوتر وعلماء النفس معاً نحو تتبع الإضطرابات النفسية في الشبكات الإجتماعية. كان تركيزهم الرئيسي على الاكتئاب، وأجريت التجربة على موقع للتدوين المصغر ما يعادل تويتر في الصين. ووفقا للعلماء المختصين، كانت السمات التي تم إعتمادها لتحليل سلوك المستخدمين عبر الإنترنت هي: عدد الريتويتات أو إعادة التغريد، وأوقات تلك التغريدات، وعدد المرات التي يعلق فيها المستخدمون أو يعيدون التغريد، والوقت الذي يتواجدون فيه على الإنترنت، واستخدام بعض الكلمات المعينة والرموز التعبيرية و هيكلة الجمل. العمل الشاق حول هذه المهمة التحليلية هو بناء المفردات من الكلمات الإيجابية / السلبية للخوارزمية لتستطيع بدء عملها، وهنا يأتي دور علماء النفس وعلماء الإدراك.
يوضح الشكل التالي الميزات أو الخصائص التي تُسهم أكثر من غيرها في التمييز بين المصابين بالاكتئاب و غير المصابين من المستخدمين للمنصة

أحدى أهم ميزات التحليلات والذكاء الاصطناعي هو عالميتها وإمكانية تطبيقها في مجالات متنوعة.

وقد أجرت مؤخراً مجموعة من طلاب تكنولوجيا المعلومات من جامعة الخرطوم تجربة على مجتمع تويتر السوداني لأغراض تحليلية. فقد قامت مجموعة مؤلفة من أربعة أشخاص بتنظيم حملة هاشتاج تطلب من المستخدمين التعبير عن آرائهم حول خدمات الإتصالات في السودان. تفاعل الناس وغردوا باللغتين العربية والإنجليزية. وإستخدم الطلاب التفاعلات لبناء قاموس للمفردات من اللهجة السودانية (وتلك التي تعبر عن السخرية)، وصمموا خوارزمية يمكنها التمييز بين الآراء الإيجابية من السلبية. وبمساعدة الإحصاءات وبعض التصور، كان من الممكن تحديد كم ومتى إستفاد المستخدمون السودانيون من خدمات معينة، وعدد المرات والزمن الذي لم يكونوا راضين فيه عن خدمات آخرى. كما تم إستخلاص رؤى أخرى من أجل فهم أفضل للمشاكل التي يواجهها السودانيون في حياتهم اليومية عند استخدام خدمات الاتصالات.


الصورة لمنسقي الدراسة: رؤى محمد، مودة أحمد، مودة عمر ونور أنور
يمكن للعلماء النفسيين، أو حتى مستخدمي تويتر أنفسهم، أن يساعدوا في المراحل الأولى من التحليل، حيث يتم تحديد المميزات أو الخصائص التي تُستخدم للتعرف على الاكتئاب للخوارزمية للتعلم منها. قد تشمل تلك الخصائص: ما هي الفترات التي لم يغرد فيها المستخدم وطول الفترات التي ينقطع فيها عن تويتر. أو ما هي المؤشرات الأخرى التي تؤكد أن فترة التوقف عن التغريد تشير إلى الإصابة بالإكتئاب أو المشاعر النفسية السلبية. السؤال الآخر الذي يطرح نفسه هنا هو ما إذا كان لدينا نحن السودانيين مفردات مختلفة عن الجنسيات الأخرى للتعبير عن الإكتئاب عند التغريد. ويمكننا حتى التحقق من مدى كثافة “اللغة التي تدل على الاكتئاب” بين المستخدمين السودانيين على الإنترنت؟ وما هي المؤشرات التي يمكن استخدامها لقياس ذلك أو التعرف عليه؟
التجارب باستخدام النهج التحليلي مع بيانات تويتر يمكن أن تكون ممتعة وغنية بالمعلومات وتُظهر بعداً إضافياً عن مشاكل الصحة النفسية لدينا. ومع ذلك، توجد العديد من العوائق والتحديات التقنية على طول العملية برمتها. على سبيل المثال، بناء القاموس من الكلمات ذات الصلة يمكن أن يكون عملية طويلة ومرهقة، التغريدات ليست دائماً واضحة ومباشرة، بالإضافة إلى قضية العقوبات؛ لأن مطوري العمل على استخراج البيانات ومن تويتر وإجراء التحليل البرمجي التجريبي يحتاجون إلى إنشاء حسابات على تويتر مرتبطة بالشبكة وينبغي أن تكون مرتبطة مع رقم الهاتف، والسودانيين حتى وقت قريب كانوا غير قادرين على استخدام أرقام هواتفهم للتسجيل. تضيف رؤى محمد، إحدى أعضاء فريق تجربة الاتصالات السودانية “إستغرق إستخراج البيانات وقتا طويلا ولكنه كان سهلاً ومباشراً. ما كان صعباً حقاً هو عملية الفلترة التي يجب القيام بها قبل بناء الخوارزمية / النموذج”. وتضيف “كان هناك أيضا بعض القيود مع الAPI الخاص بتويتر، كذلك العمل مع اللغة العربية ليس بسيطا كالإنجليزية”.
ويمكن تجاوز بعض هذه المشاكل عندما تكون النتائج مفيدة و مشوقة للباحثين والمجتمع على حد سواء. نأمل أن نرى في المستقبل المزيد من الدراسات الخاصة بتحليل المشاعر للمساعدة في فهم المجتمعات الرقمية السودانية، وخاصة في مجال علم النفس حيث يمكن لمثل هذه الدراسات التحليلية أن تمهد الطريق لمساعدة الكثير ممن يعانون من إضطرابات نفسية الذين غالباً ما لا يجدون تشخيصاً أو علاجاً.