هذا المقال متوفر أيضاُ باللغة English

تحذير وإخلاء المسؤولية: المحتوى الذي أنت على وشك قراءته يحتوي على تجارب مصورة وحساسة لحرب السودان. تعكس الآراء الواردة في هذه المقالة آراء المؤلف فقط وليس آراء أندريا. ننصح القارئ بالتقدير وحرية الإختيار. اقرأ إشعارنا التحريري الكامل هنا.


 معسكر قرم بجنوب السودان. المصدر: أحد أعضاء المبادرة الشبابية السودانية لدعم المتضررين من الحرب


أدى اندلاع النزاع في السودان وتصاعده خلال الأشهر العشرة الماضية إلى فرار ما يقدر بنحو 500 ألف شخص بحثاً عن الأمان في جنوب السودان. لم يكن الأمر سهلاً، إذ واجه الكثيرون صعوبات طوال الرحلة القاسية والمكلفة، وتستمر المعاناة عند وصولهم لمراكز التجميع وفي مخيمات اللاجئين، حيث يعيش الناس ظروفاً إنسانية قاسية مع ارتفاع مستويات انتشار الأمراض ونقص الرعاية الصحية.


الطريق إلى الرنك

وصل محمد إسماعيل إلى جوبا قادماً من الخرطوم في رحلة استغرقت ثمانية أيام. حدثني: “قبل أسبوع من اندلاع الحرب، جئت من كردفان إلى الخرطوم لاستكمال إجراءات السفر إلى مصر. عندما اندلعت الحرب كنت في أم درمان. في ذلك الوقت، كان الوضع محتملاً هناك. لكن مع تطور الحرب والقصف الجوي، غادرت أم درمان إلى مدينة ربك، ومن هناك اتجهت إلى الرنك، وهنا بدأت المعاناة. أمضيت ثلاثة أيام متتالية أعاني فيها من الخوف والجوع والبرد في قارب على الماء متوجهاً إلى ملكال".


تسببت الموجة الأولى من عبور السودانيين والجنوب السودانين إلى جنوب السودان في تكدس الكثير من الناس في نقاط الوصول بالإضافة إلى ضعف الخدمات. ومع ذلك، يواصل الكثيرون التحرك جنوباً، حيث تقدر الأمم المتحدة أن هناك أكثر من 71 ألف وافد في ديسمبر 2023، وهو الشهر الذي شهد أكبر عدد وافدين حتى الآن.


 محمد إسماعيل في المركب متجهاً إلى ملكال. المصدر: محمد إسماعيل


بالنسبة للبعض، تزامن تأخرهم في مغادرة السودان مع تحسن إمكانية الوصول والاتصالات وسهولة الحركة بين البلدين. وهو ما حدث بالنسبة للدكتور مخلص عمار، أخصائي الطب الباطني في مستشفى أم درمان، الذي مكث هناك لمدة ثلاثة أسابيع عندما بدأت الحرب، ثم انتقل بعد ذلك إلى حي سوق ليبيا مع إستمرار عمله في المستشفى، حتى قرر الذهاب إلى جنوب السودان. وعندما وصل إلى الرنك، كان المطار قد افتتح مؤخراً فتمكن من السفر مباشرة إلى جوبا. ورغم صعوبة الرحلة، أشار إلى أن "الدخول إلى جوبا كان سلساً، حيث كان موظفو المطار متساهلين في الإجراءات، وتمكنت من السفر والدخول إلى جوبا بدون جواز سفر، والآن أعمل طبيبا في مستشفى في جنوب السودان".


من المخيم إلى المدينة

وسرعان ما أصبح مخيم القرم وجهة للكثيرين ممن فروا من الحرب في السودان ويحتاجون إلى المساعدات الإنسانية. ومع ذلك، فقد أصيب الكثيرون بالصدمة من الأعداد الكبيرة من الأشخاص الذين يحتاجون إلى المساعدات، والحصص المخصصة.


وتوجه إبراهيم أبو دقن الطالب بجامعة أم درمان الأهلية، إلى المعسكر لكنه سرعان ما هرب منه بعد أن وجد أن الظروف غير مناسبة. حدثني قائلاً: "كنا ثلاثة أشخاص، غادرنا الخرطوم إلى ولاية النيل الأبيض ثم الرنك، ولحسن حظنا، تمكنا من اللحاق بالطائرة التي قامت بإجلاء السودانيين الجنوبيين العائدين إلى بانتيو. وصلنا إلى بانتيو ومن هناك دخلنا إلى جوبا عبر البر الجنوبي. عند وصولنا ذهبنا إلى معسكر القرم. ولم نجد أي مساعدات، والوضع كان سيئاً. أكملنا التسجيل في المعسكر وحصلنا على مبلغ ١٢،٠٠٠ جنيه جنوب سوداني ومؤن غذائية لمدة شهر، لكنها لم تكن تكفي لأسبوع واحد".

 

ولأنه أدرك أن الوضع لا يبدو جيداً، فقد مكث في المخيم لمدة أسبوعين ثم غادر عندما أصبح الوضع لا يطاق. وفي جوبا، انتقل للعيش مع أقاربه ويعمل في بقالة في سوق الجمارك لتوفير لقمة العيش، مضيفاً "الحياة هنا صعبة وعائلتي في السودان أيضاً بحاجة لمساعدتي لأنهم نزحوا أيضاً".


إبراهيم أبو دقن في جوبا. المصدر: إبراهيم أبو دقن


ورأى محمد عبد الرحمن، أحد مؤسسي مبادرة الشباب السوداني لدعم المتضررين من الحرب، أنه وبرغم التحديات الكبيرة التي تواجه المجتمع إلا أن هناك فرصة جيدة للتعبئة والعمل الجماعي. ويقول “عندما وصلت الرنك قادماً من الخرطوم وجدت آلاف اللاجئين عند مدخل المدينة لم يتم استيعابهم كلاجئين، فتمركزوا حول المعسكر بلا مأوى، وتم جلب آخرين إلى داخل حرم جامعة أعالي النيل وفي المدارس والمساجد المجاورة. توجهت إلى ملكال ومن هناك إلى جوبا".


وصلت إلى جوبا مبكراً، ولم يكن مخيم القرم قد افتتح بعد في ذلك الوقت. وفي الوقت نفسه كانت أعداد اللاجئين تتزايد يومياً، لذلك فكرت مع آخرين في إنشاء مبادرة الشباب السوداني لدعم المتضررين من الحرب، سعياً لتوفير السكن للاجئين الذين ليس لديهم معارف أو عائلات في جوبا.


 معسكر قرم بجنوب السودان. المصدر: أحد أعضاء المبادرة الشبابية السودانية لدعم المتضررين من الحرب


الخطوة الأولى التي قام بها محمد هي الاتصال بالسفارة السودانية، التي لم تتمكن من التدخل وتقديم المساعدة. إلا أنهم تمكنوا من توفير السكن ومساعدة بعض الأسر من خلال توحيد الجهود مع بعض منظمات المجتمع المدني في جوبا. وبعد أيام قليلة، تم افتتاح مخيم القرم، لكنه لا يزال يواجه مشاكل؛ مثل فتح التسجيل بعد ٢٠ يوماً.


ومن خلال جهود هذه المبادرة تمكنت المجموعة من جمع التبرعات من التجار في الأسواق وتوزيعها على اللاجئين في المخيم. كما عملوا أيضاً مع منظمة Concern Africa لتوزيع الإمدادات الغذائية والأدوية، وقاموا بتركيب مضخة مياه في المخيم. وتحاول المبادرة الآن التوسع خارج جوبا للوصول إلى مجتمعات اللاجئين الأخرى التي تحتاج إلى الدعم.


محمد علي في هوتيل كومبا - جوبا. المصدر: الجيلي


وكان للمحامي محمد علي تجربة مماثلة، لكن الحرب حاصرته في السوق العربي وسط الخرطوم، ومنها سافر إلى جوبا عبر الرنك. وكان قد سمع بالفعل أن الوضع في المخيم صعب، لذلك سعى للحصول على وظيفة في جوبا. كمحامي، فهو غير قادر على ممارسة مهنته في جنوب السودان، لذلك اختار العمل في مستودع للألمنيوم والكلادينق. مثل الآخرين، وجد الرحلة صعبة ولكن الحياة قابلة للتأقلم في جنوب السودان.


جوليوس أحمد

جوليوس أحمد، طالب بكلية الاعلام جامعه امدرمان الاهلية وناشط مدني مهتم بالثقافة وقضايا التهميش الثقافي. كما يعمل كمعاون قانوني بمركز إنسان للعون القانوني.